وصول الطائرة الإغاثية السعودية الـ 16 إلى لبنان الفحص الفني الدوري للسيارات يدشن 6 محطات متنقلة 7 مقيمين ومواطن في قبضة رجال الأمن.. جرائم سرقة وابتزاز ارتفاع حصيلة ضحايا ترامي في الفلبين إلى 145 قتيلاً جازان تسجل أعلى درجة حرارة بـ 36 مئوية والسودة الأدنى ارتفاع أسعار النفط والعقود الآجلة ارتفاع أسعار الذهب لأعلى مستوى على الإطلاق تنبيه من أمطار غزيرة ورياح شديدة على جازان الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى لبنان يتواصل بمغادرة الطائرة الـ 16 أمطار رعدية غزيرة وسيول وبرد على 8 مناطق
لا أزعم أن هذه قصةٌ من مئاتٍ، بل لعلها قطرةٌ من بحرٍ زاخرٍ بقصصٍ طرفُها الرئيسي سلمان بن عبد العزيز مع مواطنيه، تحمل ثناياها كثيراً من معاني فكره و منهجه في الحُكْمِ و الإدارة.
دارت أحداث القصة، التي لا يعرفها سواه و إياي، صيفَ 1998م. توفيت يومها إحدى والداتِ أبناءِ المرحوم الشيخ إبراهيم الإبراهيم. فهرع معلنٌ تجاريٌ (شركة محمود سعيد) إلى نشر إعلان صفحةٍ كاملةٍ بجريدة “الشرق الأوسط” لتعزية خادمِ الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز تغمده الله برحماته، ظانّاً أنها حماتُه جَدّةُ نجلِه عبد العزيز، و هي لم تكُنْ كذلك.
كنتُ وقتَها عضواً منتدباً للدار الصحفية التي تصدر الجريدة (الشركة السعودية للأبحاث و النشر). و تفضل يومَ نشرِ الإعلان رئيسُ MBC الوليد بن إبراهيم خالُ الأمير عبد العزيز بمهاتفتي لتوضيح خطأ الإعلان في تحديد أن المُتوفاةَ جَدّتُه التي كانت وقتَها تتمتع بالعافية. فشكرتُه على التوضيح معتذراً له و لأُسرته الكريمة عن الخطأ و وعدتُه بنشر تصحيحٍ في الجريدة غداً.
الثانيةَ عشرةَ ظُهراً دقّ هاتفُ مكتبي. كان المتصل سلمان بن عبد العزيز. و هنا لا بد من وقْفةٍ. كان وقتَها في أمريكا رفقةَ علاجِ أمِ أنجالِه الكبار رحمها الله. أي كان توْقيتُه الخامسة صباحاً. (منها نفهم برنامجَه اليوميَ الباكر على مدى عقودٍ..يصحو قبل الفجر ليُؤدي صلاةَ الصبح في مسجده ثم برنامج إفطاره و قراءاتِه قبل التوجُّه لمكتبه بإمارة الرياض السابعة صباحاً..يكاد ألّا يكون له مثيلٌ في الحكومة..تضبط ساعتَكَ على مواعيدِه).
كان إتصاله مستفسراً “كيف يا محمد تنشرون إعلان وفاةٍ عن إمرأةٍ حيّةٍ.؟”. سؤالٌ في غاية الحرج. لا جواب له.
شرحت له أنه إلتباسٌ سببُه حماسُ معلنٍ لتعزيةٍ لم يتأكد من صحةِ متوفّيها. جاء رده “و هل صحيفتكم لا تتأكد من المعلومات قبل نشرها..ماذا لو كان المنشور مَقلباً كتهنئةِ زواجٍ لشخصٍ لم يتزوج بقصد إحراجه أو وفاةٍ بغير إسم متوفٍ أو..أو..؟..يجب أن تحقق في الخطأ و تعاقب متسبّبَه”. (و هنا مربط الفرس الذي سأعود له لاحقاً). أوضحتُ “أن كل ذلك صحيح لكن المؤسف أن أقسامَ الإعلان بالصحف ليست لديها الأدوات و لا الإجراءات للتحقق من مضمونِ الإعلان فتنشره بناءً على مصداقية معلنٍ دفع قيمةً عاليةً له..و سنضع الآن إجراءاتٍ لضبط ذلك و تلافيه مستقبلاً”. فأكد التنبيه على ذلك مع تضايُقه الشديد من أذى مواطنٍ مهما كانت ذريعة الخطأ أو تصحيحه اليوم التالي.
و لا يظنّن ظانٌ أن إتصالَ سلمان بن عبد العزيز عن خطأ صحفي خصَّ به “الشرق الأوسط”..كلا..بل كان ديْدنَه مع كل الصحف و الصحفيين..أكثر حتى من وزير الإعلام. فهو إعلاميٌ بالفطرةِ و القيادة. و الوزير إعلاميٌ بالوظيفة و الكرسي.
عندما رعى تأسيس “الشرق الأوسط” أواخر السبعينات إستهدف بها خلْقَ مدرسةٍ صحفيةٍ غيرِ مسبوقةٍ عربياً، أولُ أُسسِها (مخاطبةُ العالم العربي من خارجه لا من داخله) للقفز على حواجزِ المنعِ و قوانينِ النشر و عدمِ الخضوعِ لاحتمالاتِ الإيقاف. فكانت عاصمةُ الضبابِ مصدراً، و من شاء من الدولِ أن يحجبَ عدداً ما بعد رقابتِه فله ذلك بما فيها السعودية.
نجحت الجريدة من يومها الأول لأنه فسح لها المجال لمنهجيةٍ تحريريةٍ غيرِ مسبوقةٍ أيضاً.
أرادها أن تكون اللبِنَةَ الأولى لنقلِ العالم العربي إعلامياً من (الحقبةِ المصريةِ في الستينات حيث كان صوتُ العرب و أحمد سعيد يحركان ما وصفاه بأنه من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر)، و من (الحقبةِ اللبنانيةِ في السبعينات حيث كان لوْنُ تناولِ الشأن السعودي مبْنِيّاً على : إدفع لنكتب..ثم إدفع لئلّا نكتب)، إلى حقبة جديدة.
أدرك بحسّه القياديِ المبكر أن بلاده ستكون مرهونةً سياسياً لإعلامٍ خارجيٍ قد يقف معها تارةً و ضدها تاراتٍ..فلا خيار أمامها إلا أن تؤسس هي، عبر رجالاتها لا وزاراتها، إعلاماً قوياً ينقل العالمَ العربي إلى (الحقبةِ السعودية)، أي مبدأ “أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم” مع أنه لم يكن عسكرياً و لا وزير دفاعٍ أو خارجيةٍ أو إعلام.
كانت نظرتُه أن للإعلام إستخداماتٍ شتى . فهو إما (ناصر لك) أو (مقوّضٌ لخصمك) أو (زارعٌ بذور أمرٍ ما تريده) أو (مشغلٌ خصومك بأنفسهم أو بجوانب تُبعدهم عن مرادك) .. أو .. آو .. إلى ما لا نهاية له من الأدوار المتجددة و المتغيّرة . أدوار لا تعرف الحكوماتُ كيف تُمنْهِجُها أو تُديرها.
و هكذا بعد صدور “الشرق الأوسط” و مطبوعاتها الأخرى بعشر سنوات شرع مستثمرون سعوديون قريبون من السلطة ينهجون ذاتَ المنهج فشجعهُم حاكمُ الرياض وقتَها لتأسيس مؤسساتٍ إعلاميةٍ خارجيةٍ قويةٍ صحافةً و تلفزةً و إذاعةً حتى بات سعوديّو اليوم مالكين في كل المؤسسات الإعلامية القويةِ، ترفيهية و إخبارية و رياضية..إلخ، باستثناء ما تملكه الشقيقة (حكومة قطر).
هذا الواقع لم يدخل المواطنَ العربيَ في (الحقبة السعودية) إعلامياً فحسب، بل أوْجد ما أسمّيه الآن (المملكة الإعلامية السعودية).
ليست تسميتي مبالغةً . بل واقع .
فالسعوديون يملكون اليوم إمبراطوريةً إعلامية منقطعةَ النظير . لكن تأثيرها لخدمة (الأهداف السياديّة) ضعيفٌ، نظراً لِتَشتُّتِ إهتماماتها و فقدان تنسيقها، و قبل كل شيئ (إنعدام الرؤية الإستراتيجية) لماهيّةِ تلك الأهداف و سبُلِ خدمتها بالوسائل الإعلامية المتاحة.
و ربما يتحقق ذلك يوماً ما (عند الحاجة) التي قد (تفرضها الظروف على الجميع) . وقتَها ستحقق (المملكة الإعلامية السعودية) للوطن، قيادةً و حُكْماً و شعباً، ما لم تحققه (وزارةُ الإعلام) بعد.
و بغض النظر عن تَبايُنِ تقييم الناس و رضاهم من عدمه حيال السياسات الإعلامية لوسائل هذه الإمبراطورية فإن هذه (المملكة) الجديدة موجودةٌ على أرض الواقع..وسائلَ و هياكلَ و قنواتٍ و شبكاتٍ و أسواقاً. و هي مؤهلةٌ للتوسع و التمدد سريعاً أفقياً و عمودياً بديناميكيةٍ لا تملكُها أيُ دولةٍ أخرى قد تفكر أن تُخاصمَ السعوديةَ أو تُناكفَها.
هذه (المملكة الإعلامية السعودية) سلاح إستراتيجي لم تستثمره بلادنا بعد، في وقتٍ تحفُّها عداواتُ كلِ ساحل.
و إستثماره لا يعني الإسفافَ كما إختطَّ إعلامُ حكوماتٍ عربيةٍ طارئة. فللإستثمار درجاتٌ و مراحلُ، كما للجيوش. تبدأ (بالتلويح)، مروراً (بالطرح المبطّن) ثم (التصريح)…إلخ. كلُ ذلك قبل وصول مرحلةِ (إطلاق النار)..هكذا الحروب. و ما الإعلام إلا سلاح في ساحات الوغى. و ما أسقط إعلامَ آخرين إلا إستعجالُهم مرحلةَ (إطلاق النار) ففسدت طبخاتُهم و خسروا مصداقية سلاحٍ حوّلوه من (تأثيرٍ) مُستهدفٍ إلى (تَندُّرٍ) يُسلّي مُتلقّيه كما كانت مسرحياتُ غوّار عن حرية الشعب و حقوقه.!!.
نعود إلى قصتنا الأساسية و مربط فرسها. كانت ستة شهور كافية لنسيانِ حادثةٍ عابرةٍ تتكرر مثيلاتُ أخطائها أسبوعياً في الصحف. لكن (الأمير سلمان) وقتَها..تذكّر..فلم ينتظر لليوم التالي لسبب جوهريٍ في نفسه يعلمُه الله وحده.
فجاءتني مكالمتُه الثانيةُ..لم تكُنْ ظهراً..بل منتصف الليل..”يا محمد تذكر قبل ستة شهور كلمتُك من أمريكا عن إعلان تعزيةٍ خطأ في صحيفتكم.؟” قلت “نعم..طال عمرك”..رد “و طلبت منك التحقيق و معاقبةَ المخطئ.؟”..قلت “نعم..طال عمرك”، فسأل “هل عاقبتُموه.؟” أجبتُ “لا..لأنه لم نكن وقتها نطبق إجراءاتٍ للتحقق من مضمون الإعلان، فلا يمكن تحديد مسؤولية الخطأ”..رد “يعني ما عاقبتم أحداً”..فأوضحت “لا”..فرد “الحمد لله..ظننتكم عاقبتُم أحداً بتوجيهي و ربما ما تزال عقوبتُه سارية..شكراً”.
يا الله..يا الله..ما أكرمكَ أن تهبَ للبلاد حاكماً يُراوده خاطر يحتملُ ألماً بسببه لأحدٍ فلا ينامُ ليلتَه حتى يتأكد بنفسه، لا معاونيه.
لن أعلق أكثر. فلكم إستنباطُ المعاني الفائقة من القصة..عدلاً و يقظةً و صرامةً و متابعةً..و قبلها و بعدها خوفاً من الله.
تعليقي الوحيد أني أُشهد الله على القصة تأكيداً لحقيقتها..لا تزلُّفاً و لا تكلُّفاً.
هنيئاً للسعودية بإبنِ عبد العزيزِ..سلمان.
Twitter:@mmshibani