تعليم جدة : تعليق الدراسة الحضورية غدًا ماذا يفعل الاتحاد والأهلي بعد التقدم في النتيجة؟ قرعة كأس الملك.. الهلال يصطدم بالاتحاد والشباب يواجه الفيحاء عبدالعزيز بن سعود ووزير الداخلية البحريني يرأسان اجتماع لجنة التنسيق الأمني آلية سحب قرعة ربع نهائي كأس الملك وظائف شاغرة لدى التصنيع الوطنية وظائف شاغرة في مجموعة العليان وظائف شاغرة في فروع شركة المراعي وظائف إدارية وهندسية شاغرة بوزارة الصناعة وظائف شاغرة لدى هيئة عقارات الدولة
لا يخفى على الجميع الدور الفعال والمؤثر الذي تلعبه ريادة الأعمال اليوم في نمو وتطور اقتصاد الدول؛ ما حدا بكثير من الدول إلى إطلاق مختلف المبادرات والإستراتيجيات لتفعيل دور ريادة الأعمال في المجتمعات.
ورغم تزايد الوعي بأهمية ريادة الأعمال لدى الكثير من المجتمعات إلا أن تباين مستوى الأنشطة الريادية بين الدول كان ولا يزال محط تساؤل الكثير من صناع القرار، وهنا يبرز دور أحد الأسباب التقليدية لهذا التباين وهو اختلاف الحالة الاقتصادية، حيث تتميز بعض الدول بمقومات اقتصادية قوية وإمكانات داعمة تدفع بعجلة الأعمال الريادية إلى مستويات أعلى مقارنة بغيرها.
في المقابل، أظهر تقرير ريادة الأعمال العالمي، وعلى مدى سنوات، استمرار التباين في مستوى الأعمال الريادية بين الدول رغم تطور الحالة الاقتصادية لبعضها بل ورغم تقارب المستوى الاقتصادي لبعضها الآخر؛ ما يعني أن الأسباب لا تقتصر فقط على اختلاف الحالة الاقتصادية ولكن تتعدى ذلك إلى عوامل أخرى ومن أهمها اختلاف القيم الثقافية للمجتمعات.
إن الناظر إلى الكثير من مبادرات وإستراتيجيات دعم ريادة الأعمال في مختلف الدول يرى بوضوح التركيز الكبير على التحفيز وإيجاد السبل لتمويل إنشاء المشاريع التجارية وتذليل الصعوبات التي تعترض طريق من لديه الرغبة في خوض غمار الأعمال التجارية وهذا لا شك أنه في غاية الأهمية، ولكن يجب أن لا نغفل دور القيم الثقافية التي تمثل الجذور الضاربة في أصول تفكير وسلوكيات وممارسات الأفراد والمجتمعات والتي تنفرد بها بيئة عن أخرى.لقد أشارت بعض النظريات إلى وجود تسلسل كامل يبدأ من احتياجات الأفراد والتي تؤدي إلى تشكيل القيم والتي بدورها تكون الأهداف ومن ثم تقود إلى النتائج والأفعال.
من هذا المنطلق، فإن التركيز على تحفيز الأفراد على أن تكون ريادة الأعمال أحد أهدافهم الرئيسية دون الاهتمام بغرس القيم الثقافية الملهمة لهذا الهدف قد يؤدي إلى تكوين قاعدة هشة من الصعب أن تتماسك أذا أخذنا بعين الاعتبار أن ريادة الأعمال رحلة طويلة مليئة بالتحديات.
إن تأثير القيم الثقافية يعتبر بالغ القوة ويتمركز حوله أهداف الأفراد وطموحاتهم وأولوياتهم وينتهي بأفعالهم وإنجازاتهم في الحياة.
لقد أثبتت الدراسات بأن هناك نوعين رئيسين من القيم الثقافية في المجتمعات الأول مادي ويتركز حول توفر الاحتياجات الأساسية للفرد والأمان المادي، والثاني معنوي ويتمحور حول الاحتياجات الأسمى كالحرية والتطوير وأنماط الحياة.
حينما تكون الحالة الاقتصادية للدول منخفضة ينشأ الأفراد في بيئة تتركز أولوياتها حول الأمان الاقتصادي، وبالتالي تتشكل لديهم القيم المادية خلال مرحلة تكوين الشخصية في مرحلة ما قبل البلوغ، وتنعكس على أهدافهم وأولوياتهم في الحياة.
وبالمقابل حين تتغير الحالة الاقتصادية للدول إلى الازدهار، ينشأ جيل تتعدى أولوياته الاحتياجات الأساسية إلى مستوى أعلى وتتشكل لديهم القيم المعنوية التي يصعب تغييرها على امتداد الحياة، ومع مرور الزمن، يذهب الجيل الذي يحمل القيم المادية والذي عايش المرحلة الاقتصادية الصعبة ويحل مكانه جيل آخر ذو قيم معنوية تشكلت في مرحلة الازدهار الاقتصادي فتتبدل قيم المجتمع الثقافية من مادية بحته إلى معنوية يصعب تغييرها.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف تؤثر القيم الثقافية بنوعيها على ريادة الأعمال؟
أثبتت الدراسات أن القيم الثقافية بنوعيها المادي والمعنوي تؤثر على ممارسة ريادة الأعمال في المجتمعات بحيث أن الدول التي يسود فيها القيم المادية تميل إلى الإقبال على تكوين المشروعات التجارية ويزيد فيها عدد رواد الأعمال مقارنة بالأخرى التي يغلب علي أفرادها القيم المعنوية، والتي تميل إلى العزوف عن إنشاء المشاريع التجارية وندرة رواد الأعمال.
من هذا المنظور، تعتبر فترة السبعينات الميلادية في المملكة العربية السعودية نقطة تحول بعد ارتفاع أسعار النفط وبداية الطفرة، حيث نشأ جيل خلال تلك الحقبة الزمنية لم يعايش فترة الصعوبات الاقتصادية حينما كان الاعتماد على المهن والحرف والعمل اليدوي، وكانت أهم الأولويات هي توفير متطلبات الحياة الأساسية.
وعليه، فقد تبدلت أولويات الأفراد في عصر الازدهار وتعدت مرحلة الأمان المادي وتوفير العيش إلى تنويع أنماط الحياة والرفاهية، ومن ثم انتقلت هذه القيم المعنوية التي يصعب تغييرها إلى الجيل التالي والذي سينقلها إلى الذي يليه وهكذا. لذا نجد أن الطرح السائد عند الحديث عن سبب التوجه إلى طلب الوظائف والعزوف عن إنشاء المشاريع التجارية غالباً لا يتعدى بأن ثقافة المجتمع لا تدعم متطلبات النجاح في عالم الأعمال مثل الاعتماد على الذات، اتخاذ القرارات، الصبر، المثابرة وهنا يبرز السؤال المحير وهو هل من المنطقي أن نركن إلى تفسير وحيد لقلة الأعمال الريادية، والذي يعود إلى أكثر من أربعة عقود مضت؟… نعم قد يكون تغير القيم الثقافة التي رافقت الانتقال من حالة اقتصادية إلى أخرى قد أثرت سلباً على بعض نواحي الحياة في المجتمع، لكن هذا لا يعني أن يستمر المفهوم السلبي من جيل إلى آخر، وأن نختزل طاقات وقدرات أفراد المجتمع نظير عامل وحيد بدلا من التعامل معه وتغييره، وإن كان ذلك يتطلب التغلبَ على مختلف المعوقات في سبيل التقدم والإنجاز، والأمثلة كثيرة على إبداع شبابنا في مختلف المجالات وفي شتى أنحاء المعمورة؛ لذا، فإن التعاطي مع ريادة الأعمال من منظور التحفيز البحت لن يغير الكثير ما لم يتم تطوير القيم الثقافية المصاحبة لها وبالتالي المفاهيم والأفكار والتي تؤدي إلى تغيير الأهداف والأولويات ومن ثم الإنجازات… والسؤال كيف؟
تشير الدراسات إلى أن القيم الثقافية قد تؤثر سلباً في عنصرين أساسين للإقبال على ريادة الأعمال وهما الرغبة والثقة في النفس. حينما تكون الثقافة السائدة لا تعطي الصورة الصحيحة عن مفهوم ريادة الأعمال وما يصاحبها من سلوكيات فإن الفرد تقل رغبته في التوجه ويفقد الدافع للعمل الحر، وبالتالي لن يستمر إن كان بدأ بالفعل. وبالمثل، إذا كانت الثقافة السائدة تدفع إلى زعزعة الثقة في النفس لبدء أي عمل تجاري؛ فهذا يؤدي إلى أن تغلب النظرة التشاؤمية، وبالتالي يحل الخوف من الفشل مكان الإصرار والإقدام…. لذا فإنه لا عجب من إشارة تقرير ريادة الأعمال العالمي إلى أن 49% من عينة الدراسة في المملكة العربية السعودية يعتقدون أن الخوف من الفشل هو العائق لهم وسبب عزوفهم عن ممارسة العمل الحر.
إذاً نحن أمام طريقين لإيقاد جذوة ريادة الأعمال في المجتمع، أولاً رفع مستوى الرغبة في بداية المشاريع التجارية، وثانياً إعادة تشكيل القيم الثقافية التي تتناقلها الأجيال ومنظورها تجاه العمل الحر.
إن ترسيخ هذه القيم الثقافية في أفراد المجتمعات، خلال مرحلة ما قبل البلوغ تحديداً، يدعو إلى التفكير جدياً في غرس مبادئ ريادة الأعمال في النشء والمشاركة في تشكيل شخصياتهم؛ ما يؤدي إلى أن تتحول هذه القيم إلى أهداف، ومن ثم إلى أنشطة ريادية تعود على وطننا الغالي بالنفع، ولعل أهم الوسائل لتحقيق ذلك تكمن في توجيه بعض برامج ريادة الأعمال القائمة نحو النشء من خلال التعليم ووسائل الإعلام، والذي سينعكس إيجاباً على مستقبل الأعمال الريادية في المملكة ليس من ناحية الكم فحسب ولكن من ناحية الاستمرارية، وبالتالي المشاركة الفعالة في أداء الأدوار الحقيقية لريادة الأعمال ومن أهمها خفض معدلات البطالة والمشاركة في النمو الاقتصادي.