الوصول إلى خط البداية

أكاد أجزم أن عدد المرات التي أوصى بها مجلس الشورى أو الكتاب تكاد لا تحصى لأهمية وجود ملف صحي موحد لجميع المواطنين والمقيمين على أرض المملكة العربية السعودية، فهذا الحلم أصبح حقيقة على أرض الواقع في هذا البلد العظيم٬ فإطلاق وزارة الصحة لمنصة نفيس، والتي تُعنى بالملف الصحي الموحد والعمليات التأمينية بين مقدمي الخدمات الصحية وشركات التأمين لهي بحق علامة مضيئة في روية 2030.

لو سألتك ما هي فصيلة دمك؟ لاحتجت لاختبار مخبري لتحديد فصيلة الدم، وهل كل مستشفى أو عيادة تحتاج لإعادة أو تكرار هذا التحليل؟ وعليه فإن تقديم الخدمات الصحية يمثل أمرًا أساسيًّا لجميع أفراد المجتمع، حيث تلعب دورًا بارزًا في الحفاظ على الصحة العامة وضمان رفاهية الأفراد. ومع تزايد التحديات التي تواجه القطاع الصحي، أصبح من الضروري البحث عن سبل لتحسين هذا السياق، فمن هنا تظهر فكرة الملف الصحي الموحد كأحد الحلول الواعدة لتعزيز الجودة والفاعلية في مجال الرعاية الصحية. فالملف الصحي يحتفظ بفصيلة الدم طوال حياتك وبتحليل مرة واحدة فقط.

فأول مهمة لطالب كلية الطب أو الصيدلة الإكلينيكية هي عملية أخذ تاريخ المريض الطبي والحالة وكتابتها ورقيًّا سابقًا وإلكترونيًّا حاليًّا وتنظم لاحقًا بما يُسمى بالملف الصحي أو الطبي، ولا مشاحة بين المصطلحين. إن هذا الملف الطبي سري، ولا يجوز أن يطلع عليه إلا المخولون من الممارسين الصحيين بموافقة صاحب الملف وهو المريض، ولذلك يُحتفظ به في أقسام السجلات الطبية بالمستشفيات، والتي لها أنظمة وقوانين تحكم من هم المخولون بالاطلاع وإجراء الدراسات العلمية المستقبلية ضمن أخلاقيات المهنة والبحث.

إن وجود الملف الصحي الموحد في تطبيق صحتي هو تطور رئيسي يهدف إلى تحقيق تكامل وتحسين في تقديم الخدمات الصحية. ويهدف هذا النموذج إلى إنشاء نظام شامل لإدارة المعلومات الصحية للمرضى؛ مما يساهم في تحسين الجودة والفعالية في تقديم الرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، يوفر فرصًا كبيرة للمرضى للمشاركة الفعّالة في رعايتهم الصحية والاستفادة من التثقيف الصحي والرعاية الشخصية بشكل أفضل.

الملف الصحي الموحد هو نموذج واعد يهدف إلى تكامل الخدمات الصحية وتسهيل تبادل المعلومات الصحية للمرضى ومشاركة بيانات موحدة ودقيقة؛ مما توفر الرؤية والشفافية لجميع المستفيدين. ويهدف هذا المفهوم إلى توفير رؤية موحدة لتاريخ المريض الطبي والبيانات الصحية المتعلقة به من خلال استخدام التقنيات الإلكترونية الحديثة وتبادل المعلومات بين مقدمي الخدمات الصحية؛ مما يساهم في تحسين الجودة والكفاءة ويساعد في اتخاذ قرارات أفضل بشأن علاج المرضى، وخصوصًا في الحالات الإسعافية الطارئة.

أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الملف الصحي الموحد هي توحيد البيانات الصحية من مصادر متعددة. ويعتمد ذلك على معايير موحدة لتخزين ومشاركة المعلومات الصحية بأمان. أضف إلى ذلك وجود القوانين واللوائح المشددة لحماية خصوصية المرضى وأمان بياناتهم الشخصية، وهو ما صدر حديثًا ضمن جهود الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي نظام حماية البيانات الشخصية، والذي اعتبر البيانات الصحية عالية الحساسية.

بلا شك، يمثل الملف الصحي الموحد خطوة مهمة في ميدان الرعاية الصحية. هذا المفهوم المبتكر يُحقق مجموعة من الفوائد المذهلة، ولكن من الضروري الاهتمام بالجوانب التقنية والأمن السيبراني لحماية بيانات الملف الصحي.

أحد الفوائد الرئيسية للملف الصحي الموحد هو إمكانية تعزيز الرعاية الوقائية والتدخل المبكر. بفضل الوصول إلى التاريخ المرضي بالكامل؛ مما يمكن مقدمي الرعاية الصحية تحديد عوامل الخطر بشكل أفضل، وربما أبكر، والتوصية بتدابير وقائية. على سبيل المثال، إذا كان لدى مريض تاريخ عائلي بمرض معين، مثل السكري أو أمراض القلب، يتيح للممارسين الصحيين من خلال الملف الصحي الموحد تتبع وإدارة صحة المريض بشكل أكثر فعالية، مما يمكنهم من تجنب حدوث هذه الحالات أو تدهورها واكتشافها في مراحلها المبكرة.

وهذه فائدة لمقدمي الرعاية الصحية الوصول بسرعة وفعالية إلى معلومات المريض الشاملة، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر دقة بشأن علاج المرضى.

يمكن أيضًا للمرضى الاستفادة من الرسائل التوعوية والتثقيف الصحي والرعاية الشخصية بشكل أفضل، وعلى سبيل المثال النصائح اللحظية بالمشي اليومي وممارسة الرياضة من مزايا الملف الصحي الموحد. عندما يكون لدى المرضى الوصول السهل إلى سجلاتهم ومراجعة نتائج اختبارات فحوصاتهم، وخطط علاجهم، وحتى مشاركة معلوماتهم الصحية مع مقدمي الرعاية الصحية الآخرين وتحسين كفاءة تقديم الرعاية من خلال عدم تكرار الفحوصات والاختبارات.

إن مشاركة البيانات الصحية بشكل فعّال بين مقدمي الرعاية الصحية المختلفين، لا يقلل التكاليف فقط، بل يزيد من الكفاءة ويرفع الجودة.

في الختام، يتم إطلاق الملف الصحي الموحد تحت رعاية وزارة الصحة، وهو ما اعتبره الوصول إلى خط البداية في التحول الصحي بالاستثمار في أحد الممكنات التقنية، فالملف الصحي الموحد يمثل قفزة نوعية في تقديم الرعاية الصحية، ولضمان النجاح الكامل في تنفيذ الملف الصحي الموحد يجب الوصول إلى خط النهاية بتمكين المستفيد من العناية بصحته بشكل أفضل وتعزيز كفاءة الخدمات الصحية والمساعدة في تقديم رعاية أفضل للمرضى، ويمكن أن يصبح أحد الأدوات الرئيسية لتحقيق رعاية صحية ممتازة.