ضبط 5 مقيمين بسبب الصيد البحري بمنطقة محظورة
ضبط 3 مواطنين قطعوا المسيجات ودخلوا محمية الإمام تركي بدون ترخيص
وصول قوافل إغاثية سعودية جديدة إلى جنوب قطاع غزة
سفن جلالة الملك ضمن مشاركة القوات البحرية في نسيم البحر 15 بباكستان
طريقة تسجيل زوجة السجين في حساب المواطن
اشتراطات التخفيضات التجارية
219 مليون عملية نقاط بيع بقيمة تجاوزت 13 مليار ريال في أسبوع
بالأرقام.. الأخدود الأكثر قيامًا بالهجمات المرتدة
مدة اللقاء 40 دقيقة.. جدول مباريات كأس الخليج لقدامى اللاعبين
نيابةً عن ولي العهد.. فيصل بن فرحان في افتتاح قمة العمل من أجل الذكاء الاصطناعي
حينما نتأمل في صروح الحضارات الكبرى، نجد أنها لم تُبنَ على أسس مادية فقط، بل كانت تقوم على منظومات فكرية عميقة، صاغها المفكرون والفلاسفة جنبًا إلى جنب مع العلماء والمبدعين. وإذا كان العلم يقدم الحلول التقنية، فإن الفكر العقدي يقدم الرؤية، والمعايير، والبوصلة الأخلاقية التي تضمن أن تكون تلك الحلول في خدمة الإنسان والمجتمع.
اليوم، في ظل تحقيق رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى بناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، من خلال تحقيق التوازن بين التقدم التقني والالتزام بالهوية والقيم، ومع تسارع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، تجد المؤسسات نفسها أمام تحديات غير مسبوقة تتعلق بالهوية، والقيم، واتخاذ القرارات في بيئة معقدة. وهنا يبرز السؤال: لماذا تحتاج المؤسسات إلى المفكرين، كما تحتاج إلى العلماء والباحثين؟
المؤسسات الحديثة ليست مجرد كِيانات اقتصادية أو إدارية، بل هي نُظُمٌ اجتماعية تحمل في طياتها أفكارًا وقيمًا تؤثر على الأفراد والمجتمعات. وإذا كان العلم يعالج المشكلات المادية والتقنية، فإن المفكرين الفلسفيين العقديين يتعاملون مع الأبعاد الأعمق التي تحدد اتجاه المؤسسة ورؤيتها بعيدة المدى.
كل مؤسسة، سواء أكانت شركة عالمية أم جامعة أكاديمية، تحتاج إلى هوية فكرية واضحة تحدد أهدافها، وقيمها، ورؤيتها المستقبلية. والمفكرون العقديون يساهمون في تشكيل هذه الهوية، ليس من خلال صياغة شعارات فقط، بل عبر تقديم تأطير فكري متين يمنح المؤسسة أساسًا راسخًا لاتخاذ قرارات متسقة مع مبادئها.
حينما أُسست الجامعات الكبرى في العالم الإسلامي مثل بيت الحكمة في بغداد، وجامعة القرويين في فاس، وجامعة الأزهر في القاهرة، لم يكن دورها مقتصرًا على تدريس العلوم الطبيعية والشرعية فقط، بل كانت مناراتٍ فكريةً يقودها المفكرون العقديون، الذين أسسوا لرؤية فكرية متكاملة مزجت بين المعرفة والعقيدة والمنظور الإنساني.
المؤسسات، مهما بلغت من التطور، تواجه مشكلات معقدة لا تكفي الحلول العلمية والتقنية وحدها لمواجهتها؛ فتحتاج هذه المؤسسات إلى عقول قادرة على التفكير النقدي والتحليلي لفهم التعقيدات الكامنة في قراراتها الإستراتيجية، وهنا يأتي دور المفكرين في تقديم منظور أوسع يتجاوز المعالجات السطحية.
الشركات الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وأبل، رغم أنها تعتمد على العلوم والتقنية، فهي توظف مستشارين في الفكر والفلسفة للمساهمة في اتخاذ قرارات ذات أبعاد أخلاقية، مثل التعامل مع الذكاء الاصطناعي، والبيانات الشخصية، وتأثير التقنية على المجتمعات.
تمامًا كما تواجه المؤسسات أزمات مالية أو إدارية، فإنها تواجه أيضًا أزمات فكرية وقيمية، خاصة في بيئات متغيرة تتطلب إعادة تعريف الأولويات والمسؤوليات. والمفكرون العقديون يساعدون المؤسسات على مواجهة هذه الأزمات، ليس عبر ردود أفعال آنية، بل من خلال تحليل عميق للتوجهات الفكرية والقيمية، واستنباط حلول تحقق الاستدامة الفكرية والاجتماعية.
خلال فترات الانحطاط الحضاري، لم يكن غياب العلماء هو السبب الرئيسي في تراجع الأمم، بل كان غياب الرؤية الفكرية الواضحة التي يقودها المفكرون والفلاسفة، مما جعل الحضارات تفقد قدرتها على التكيف مع التحديات الجديدة.
إذا كانت المؤسسات تحتاج إلى العلماء ليصنعوا الأدوات، فهي تحتاج إلى المفكرين العقديين ليحددوا كيفية استخدام هذه الأدوات في سياق أخلاقي وفكري متوازن. الحضارات التي ازدهرت لم تكن تعتمد على القوة المادية فقط، بل كانت تستند إلى منظومات فكرية قوية ساعدت على ضبط مساراتها واتخاذ قرارات حكيمة.
وفي عصر تسوده التعقيدات وتسارُع المتغيرات، لم يعد بالإمكان الاعتماد على الحلول العلمية والإدارية وحدها. المؤسسات تحتاج إلى فكر فلسفي عقدي يعيد صياغة الأسئلة الكبرى، ويقدم إجابات تتجاوز المصالح الآنية نحو رؤًى أكثر استدامة وإنسانية. وكما لا يمكن لمجتمع أن يزدهر بدون العلماء، لا يمكن لمؤسساته أن تحقق نجاحًا مستدامًا بدون المفكرين الفلسفيين العقديين الذين يرسمون لها البوصلة الفكرية التي تحفظ توازنها في عالم متغير.
* أستاذ العقيدة والفكر المشارك بجامعة الملك خالد