زراعة البن بين الواقع والمأمول!

البن في جبال السروات .. وجهة سياحية ورافد للاقتصاد!

الثلاثاء ٧ نوفمبر ٢٠٢٣ الساعة ٦:٥٦ مساءً
البن في جبال السروات .. وجهة سياحية ورافد للاقتصاد!
بقلم - جابر العلي الأسمري

جبل هادا .. جودة في الإنتاج ووفرة في المحصول!

حين نستعرض تاريخ زراعة البن في هذه الجبال الصدرية نجد أنها تعود إلى قرون عديدة مضت، حيث اهتم سكان المرتفعات على امتداد سلسلة جبال السروات بزراعتها وعرفت هذه الجبال بجبال البن والغيم والبرك ذات المناخ المعتدل والصالحة لزراعة وتعد شجرة البن “المدللة” إحدى ركائز هذه الزراعة والتي لا تقبل الحر ولا البرد بل تعشق وتعيش وتجود وتثمر في ظل المناخ المعتدل المطير الذي يجعلها تثمر بأفضل الأصناف عالية الجودة وذلك لتوفر متطلبات نجاح زراعتها من اعتدال المناخ وخصوبة التربة ومياه الأمطار الموسمية بشكل شبه دائم.

حيث توارثت الأجيال زراعة شجرة البن في هذه الجبال كون منتجها ” القهوة” يعد رمزًا من رموز إكرام الضيف والحفاوة به إلى جانب مردودها الاقتصادي المجزئ والذي يشكل أهم روافد الاقتصاد عالميًا وفي معظم البلدان يعد ركيزة من ركائز إيرادات ميزانياتها ولدينا لا يقل أهمية عن تلك البلدان لا سيما وأنه بالإمكان رفع الإنتاج من الاكتفاء الذاتي والوصول لمرحلة التصدير عالميًا وبجودة منافسة لما يصدر إلينا فيما لو تحققت استراتيجية دعم زراعته وتذليل العقبات والمعوقات التي تعترض زراعته ومنح أصحاب هذه المدرجات الجبلية الدعم المادي المباشر دون وسطاء حتى يتمكنوا من إعادة تأهيل هذه المدرجات وعمل خزانات المياه لخزن مياه الأمطار وشبكات الري الحديثة.

وهذا يتطلب توفر الكهرباء الموجودة محولاته في هذه الجبال وخاصة جبل هادا إلا أنها شبه معطلة وليس لها أي مردود مالي على الشركة نتيجة اشتراطات الصكوك التي لا يمكن تحقيق هذه الاشتراطات وأصبحت أحد أهم معوقات زراعة البن في هذا الجبل ولهذا لا بد من إعادة النظر في هذا الشرط التعجيزي الذي لن يتحقق على طول الزمن لاسيما وأن هذه البلاد عبارة عن مدرجات زراعية متناثرة ومتباعدة عن بعضها البعض ومن الصعوبة بمكان حصرها في رسم “كروكي” واحد وإصدار، صكٌ واحد عليها بمعنى أنه ينبغي إصدار عشرات الصكوك.

بل لا أبالغ إذا قلت المئات لتعدد تلك المدرجات وتباعدها حيث استصلحها أهلها منذ مئات السنين وحققوا الاكتفاء الذاتي من محصولها وعرضوا الفائض عن حاجتهم للأسواق المحلية وفي ظل هذا التوجه بدعم زراعة شجرة البن كموروث يمكن أن نحقق نقلة نوعية في زراعته وإنتاجه فيما لو ذللت كل العقبات والمعوقات التي تحد من نجاح زراعته وقد نصل بإنتاجه إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من جديد كما كان في عهد الآباء والأجداد والانتقال إلى مرحلة التصدير خاصة إذا تحققت استراتيجية دعم زراعته في جميع مدرجات هذه الجبال وتحويلها من وضعها الحالي الفاقد للحياة بسبب هجرة أهلها من قراهم إلى المدن بحثًا عن الحياة العصرية التي يفتقدونها في قراهم وتسبب ذلك في انعدام الزراعة والرعي في تلك القرى التي كانت في الماضي سلة غذاء المدينة والعودة بها إلى مدرجات تتزين بشجرة البن وبجميع مقاومات الحياة الجبلية في ظل تنمية ريفية مستدامة.

إن من متطلبات زراعة البن، إعادة تأهيل المدرجات وتوفير شبكات الري ومصادر خزن المياه في المناطق الجبلية التي تشكل بيئتها الرطبة والباردة مناخًا مثاليًا لزراعة البن، بجانب إنشاء شبكة طرق تسهل التنقل في منطقة جبلية وعرة في الفترة القليلة الماضية زاد الاهتمام بالزراعة تحقيقًا وتمشيًا مع أهداف الرؤية 2030 في جانب دعمها للزراعة وغرس الشجرة ذات الظل والثمر بشكل عام وشجرة البن بصفة خاصة كموروث تاريخي وهذا التوجه عزز من آمال المزارعين بتبني استراتيجية حكومية توفر دعمًا متكاملًا لهم من جهة ومن جهة أخرى تحقق طموحات الوطن في إيجاد موارد جديدة للاقتصاد داعمًا للنفط ورافدًا له وبهدف دعم منتج القهوة المحلي والارتقاء به إلى مصاف العالمية في المستقبل المنظور ولهذا أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي في شهر مايو 2022،”الشركة السعودية للقهوة”.

حيث تسعى الشركة لاستثمار نحو 1.2 مليار ريال على مدى السنوات العشر المقبلة في قطاع القهوة في المملكة، والمساهمة في رفع القدرة الإنتاجية للبُنّ السعودي من 300 إلى 2500 طن سنويًا ولكن ينبغي أن لا نهمش دور المزارع صاحب الخبرة الزمنية والمكان المستهدف لزراعة البن والذي ينبغي دعمه شخصيًا لزراعة مدرجاته التي توارثها على مدار تعاقب الأجيال والأزمنة وأن يكون دعمه المادي والمعنوي بشكل مباشر له دون وسطاء فهو الأعرف والأقدر بتحقيق زراعة مدرجاته كونه يملك الخبرة والمعرفة بذلك ويمكن أن تساهم هذه الشركة وبقية الجمعيات في تسويق منتجات المزارع عبر قنوات متعددة وبالتالي تتضافر الجهود بين الجانب الإنتاجي المتمثل في المزارع والجانب التسويقي الذي تمثله شركة القهوة وبقية الجمعيات التعاونية وهذا يحقق التكامل والتكافؤ بين الجانبين.

علينا أن ندرك أن زراعة البن في جبال منطقة عسير، مثل جبل هادا وضرم وبركوك وغيرها من الجبال التي لا يحضرني اسمها والتي كانت تشتهر في الماضي بزراعته كأحد أهم الموارد الاقتصادية لسكان تلك الجبال على مر العصور هي الأجدر بتحقيق الحلم المستقبلي لإحياء زراعة هذه الشجرة وذلك لتوفر الظروف المناخية والطبيعية فيها لهذا ينبغي دعمها وتشجيع أصحابها على العودة لقراهم وزراعتها بهذه الشجرة ذات المردود المادي المجزئ حيث يبرهن على جدواها الأرقام الواقعية مقارنة بأسعار النفط العالمية، حيث يعد أحد أكبر مقومات الاقتصاد العالمي ويبلغ سعر طن النفط 1890 ريالًا.

بينما يزيد سعر طن البُن البلدي في هذه المحافظات الجنوبية من فيفا والداير وهادا وضرم ورجال المع عن 60 ألف ريال وفق سعر سوق الجملة ومع عودة زراعة البن والاهتمام بها في المناطق الجنوبية، يتوقع أن يصبح البن رافدًا اقتصاديًا كبيرًا، وسيحمل العديد من الفوائد منها اتساع سوق العمل للمزيد من الباحثين عن العمل أو الاستثمار في هذا المجال، وهو ما بدأ به العديد من الشباب من سكان المحافظات ويعد سوق زراعة وتسويق وتصدير البن أحد أقوى الأسواق عالميًا لكنه لايزال ناشئًا لدينا ومع هذا فإن الأرقام تشير إلى تقدم ملحوظ في أسواق البن المحلية، حيث بلغت قيمتها التسويقية المعلنة بالملايين وهو ما يفتح المجال للمزيد من الاستثمارات والعمل الزراعي في هذا المجال لا سيما وإن شجرة البن تعمر عشرات السنين وتثمر على مرحلتين في العام وحاليًا يوجد في جبل هادا العديد من المزارعين الذين عادوا وأحيوا زراعة هذه الشجرة أمثال ناصر بن زايد الأسمري وعلي بن مشبب وبندر بن حبسين وغيرهم.

لقد سرني ما شاهدته على مدار زيارتي الإعلامية للمنطقة والتي بدأتها من جبال الداير وفيفا وصولًا لجبل هادا وضرم وبركوك ورجال ألمع التي تزينت بشجرة البن في معظم مدرجاتها الجبلية وإن كان المأمول أكثر من الواقع لكن بداية الغيث قطرة وأرجو ان تتاح لي زيارة قادمة لهذه الجبال وأجد أن الواقع فيها أصبح أكثر إشراقًا من المأمول.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • الدكتور / احمد علي الشهري

    مقال جميل ورائع يشخص الواقع واهمية استثمار المدرجات الزراعية باعادة تاهليها لزراعة البن وتحقيق الاكتفاء الذاتي من اهم المنتجات الزراعية المناسب زراعتها بجبال منطقة عسير والتي تعد اهم اهم مناطق زراعة البن قديما
    وهناك مبادرة اعادة تاهيل المدرجات الزراعية بمنطقة عسير حيث تقوم جمعية البن بمنطقة عسير بجهد كبير في هذا الشان.
    ومن الجبال التي بدأت في زراعة البن بالاضافة الى ماتم الاشارة اليه في المقال
    جبل ريمان حيث يعد من اهم الجبال قديمًا والمشهور بزراعة افضل السلالات القديمة النادرة .

  • جابر الاسمري

    مشكور دكتور احمد هذا من رقي ذائقتك وسمو فكرك وعلمك

  • عفة

    بارك الله في قلمك وسلمت يمينك علي الطرح المفيد ..فعلا زراعه البن في جبال منطقة عسير له اهمية كبيرة جدا في اقتصاد بلادنا بلاد الخير