لانتهاك الخصوصية.. تغريم شات جي بي تي 15 مليون يورو بينها العربية.. جوجل تدعم 45 لغة جديدة بـGemini متى يكون الكوليسترول الجيد ضارًّا على الصحة؟ ارتفاع ضحايا إعصار شيدو إلى 76 شخصًا في موزمبيق الكويت وعمان يفتتحان خليجي 26 بتعادل إيجابي حالة وفاة و10 إصابات.. تصادم 20 مركبة بالرياض شاهد.. حالة مطرية غزيرة على تنومة نتائج المباراة الافتتاحية لـ الأخضر في كأس الخليج بالفيديو.. حرائق في قازان الروسية إثر هجوم أوكراني بالمسيرات فينيسيوس يغيب عن ريال مدريد ضد إشبيلية
الأزمات في الدول العربية تتكاثر والتحديات الأمنية تزداد وتبلغ مداها مع ما يجري في العالم عمومًا والمنطقة العربية بصفة خاصة، هذه الأوضاع تظهر أنها تتأزم أكثر وأكثر ووصلت لدرجة وجود مرافعات عن تخوف حقيقي فرض نفسه ويتعلق بنشوب حروب عالمية، وليست تلك الحروب التي تجري بين دول محددة أو أهلية كما عرفها العالم هناك .
ما يراه الكثير من المحللين المنصفين، ومن خلال ما يُبديه صنّاع القرار في عدد من الدول العربية، يظهر بوضوح أن العمل الذي صار يفرض نفسه يراعي عدة محاور أساسية ومهمة للغاية:
الأول:
العمل الرسمي من أجل تخفيض حدة التوتر القائم عبر الحوار السياسي، والتحرك العاجل من أجل إيجاد الحلول السلمية للأزمات بعيدًا عن العنف والصراعات العسكرية والحروب الأهلية، وهو ما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي والفقه الدبلوماسي والمواثيق التي توافقت عليها أغلبية الدول في العالم وبما يبلغ درجة الإجماع على مستويات نظرية وأيضًا عملية لحد كبير.
التصدي للأزمات المعقدة لا يكمن في الحروب بل يكون في السلام والحوار وتحقيق الأمن وصيانة السلم العالمي، وأيضًا احترام سيادة الدول وأمنها القومي وحدودها الجغرافية ومنع التدخل في شؤون الدول الداخلية وعدم المساس بمواقفها السيادية من القضايا الإقليمية والعالمية.
الثاني:
العمل يكون جماعيًا وليس فرديًا لمواجهة هذه التحديات التي تفرض نفسها على الكل سواء كانت الحروب العسكرية أو الفيروسية أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية التي فرضتها تطورات المناخ والصدامات وظاهرة الإرهاب العابرة للحدود وحتى الجيوب أيضًا.
هذا المحور يكون عبر الهيئات والمنظمات والتجمعات والتحالفات الإقليمية والدولية مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي وغيرهم من الهيئات التي وضعت ضمن مبادئها العمل الجماعي بين رؤساء الدول والحكومات من أجل التصدي لكل أنواع الأزمات والنزاعات والصدامات والصراعات وما أكثرها في ظل تصاعد موجات التطرف والعنصرية والطائفية والصدام الحضاري بين الشعوب والأمم.
الثالث:
تكريس الترسانة القانونية ضمن عدالة دولية قائمة وذات فعالية وتأثير حقيقي وبما يحمي الدول والشعوب والقيم الإنسانية والحضارية، ويكون لها دورها الصارم والقاطع في الأزمات والنزاعات.
كما يجب فرض القانون الدولي الإنساني في الحروب، وأيضًا القانون الدولي لحقوق الإنسان في زمن السلم، فضلًا عن كل القوانين والمعاهدات والمواثيق المختلفة التي تجعل منطق القوة هي للقانون الدولي وليس للقوة العسكرية.
كما يجب التوزيع العادل لأصوات الدول في الهيئات العالمية وفي مقدمتها مجلس الأمن الذي يمتلك قرار السلم والحرب في العالم، وصار رهينة لدى قوى كبرى تتمتع بحق النقض « الفيتو » وهي أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، مما جعل هذا المجلس في عجز تام على فرض القانون الدولي إن تعارضت القرارات مع مصالح هذه القوى النافذة، وهو ما تشكو منه الكثير من الأطراف بعد كل ما عاشته الكرة الأرضية من كوارث ومآسٍ.
الرابع:
العمل الجاد على منع انتشار أسلحة الدمار الشامل من نووي وكيماوي وجرثومي وغيره وأيضًا التحرك العملي على جعل السلاح بين يدي الدول وقواها الأمنية والعسكرية الرسمية، وحظر دعم الميليشيات مهما كان شأنها وتوجهاتها، فقد تحولت إلى أكبر مستنقعات صنّاع الفوضى والإرهاب في الدول خاصة التي تعاني من التخلف والفقر والفساد والاستبداد.
الخامس:
التعاون على معالجة أزمات الدول الاقتصادية، وعدم ترك أيّ دولة عرضة للجوع ونقص الموارد الطبيعية والتنموية وحتى البشرية، فانهيار الوضع الاقتصادي في الدول وانتشار الجوع والفقر سيحولها إلى بؤرة نزاع حقيقي يساهم مساهمة فعالة في صناعة الأزمات التي صارت عابرة للحدود أيضًا.
السادس:
تجفيف منابع الفوضى والإرهاب ليس فقط بالعمل العسكري والأمني كما حدث مع بعض التنظيمات، بل على المستوى الفكري بنشر المنهج المعتدل والابتعاد على جعل هذا الغلو يرتبط بدين معين أو دولة بعينها، لأن هذه الظاهرة لا دين ولا جنسية لها، بل ترتبط بظروف اجتماعية وبيئة فكرية ومناخ سياسي، يجعلها تتصاعد وتنتشر أكثر فنجد في العالم الكثير من النزعات العرقية والمذهبية والعنصرية والطائفية واليمينية المتطرفة وغير ذلك من الظواهر التي ساهمت في نشر الغلو في كل شيء، مع ما نشاهده من انفلات إعلامي عبر مواقع التواصل التي لعبت دورها في كل ذلك.
السابع:
حل الأزمات القائمة واجتثاث بذور الأزمات الأخرى القادمة، فلا يمكن أن يستقر الشرق الأوسط من دون حل جذري للقضية الفلسطينية التي لديها تأثيرها البالغ في عقول الجماهير العربية والإسلامية، كما لا يمكن حماية أمن العالم ونحن نرى الكيل بمكيالين قد بلغ مداه مع عدة قضايا، حيث على سبيل المثال هب العالم لنجدة أوكرانيا ضد الغزو الروسي، وهو العالم نفسه الذي بقي يتفرج على تدخل الروس في سوريا التي صارت حلبة لمشاريع النفوذ والسيطرة والهيمنة على مصادر الثروة والتراث.
الثامن:
إطلاق مشاريع تنمية حقيقية في الدول الفقيرة وتمكينها من ثرواتها بعيدًا عن النزعات الاستعمارية، فتوجد عدة دول غنيّة لكنها منهوبة ومسلوبة بطرق مختلفة من إرادات وقوى دولية، وهو ما ساهم مساهمة فعالة في نشر الفوضى والانقلابات العسكرية خاصة في القارة الإفريقية، التي صارت منبع الصراعات والصدامات المختلفة، بل وجدت فيها ضالتها التنظيمات المتطرفة والقوى التي تتاجر بالتطرف والفوضى، وهو ما يساهم حتمًا في الإضرار بالسلم العالمي ويدفع نحو تكاثر الأزمات التي لا توجد دولة ستظل عذراء لن يطالها الإرهاب أو الفتن الأهلية المختلفة.
التاسع:
العمل على منع صناعة الكيانات الموازية داخل الدول وخاصة المسلحة التي بدورها تكون سببًا في الحروب الأهلية، وهو ما نعيشه في العراق واليمن وسورية ولبنان وغيرهم، وكذلك تشكيل هيئات تعمل بصفة جماعية لمنع هذه الظاهرة الميليشياتية التي تنتشر في دول تعاني من الفقر والتخلف والتبعية والديكتاتورية أيضًا، وهو ما يهدد الدول الأخرى المستقرة، ويلعب دوره في تحويلها من دول آمنة إلى أخرى تصبح مصدر القلاقل في الداخل والخارج.
الكثير من المحاور هي مهمة حتمًا وستلعب دورها في مشروع تصفير الأزمات، وهذه الأزمات صارت فعليا مصدر ربح سريع لمافيات مختلفة الألوان ومتعددة الأنواع، وفي هذا السياق نذكر على سبيل الاستدلال أن الحروب تستفيد منها عدة أطراف مما يجعلها هي الراعي الخفي لأزمات خاصة تلك التي يعيشها الشرق الأوسط:
أولًا:
شركات الأسلحة التي بفضل الصراعات والنزاعات صارت تجد السوق الرائجة للعتاد وتجريب الأسلحة الجديدة والتخلص من مخازن قديمة وتنشيط بيع الذخائر بمختلف أنواعها، وهو ما يجعل هذه الشركات تصاب بالإفلاس الحقيقي في حالة عدم وجود الحروب، وهو ما يجعل الدول والجيوش ليست بحاجة لتجديد ترسانتها العسكرية أو شراء الذخائر، ولذلك نجد أنه في السنوات الأخيرة ارتفع حجم انفاق الدول على الأسلحة لدرجات قياسية وغير مسبوقة، بل إن الأزمات بين بعض الدول دفعتها إلى سباق تسلح كلفها المليارات من الدولارات وهو ما نراه في العديد من القارات.
وفي هذا السياق نذكر أن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) كشف عن ارتفاع تاريخي للإنفاق العسكري العالمي في عام 2023 حيث بلغ 2443 مليار دولار في أعلى مستوى له عبر التاريخ.
المعهد المعني بمراقبة ورصد الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم ذكر في تقرير له صدر في أبريل 2024 أن الإنفاق العسكري العالمي زاد في العام 2023 بنسبة 6.8%، مقارنة بعام 2022 في أكبر زيادة على أساس سنوي منذ عام 2009.
ثانيًا:
شركات الأدوية والأطراف الصناعية وغير ذلك التي تنشط بقوة في حال الحروب العسكرية والفيروسية أيضًا، لذلك نجد أن المافيات الخفية في هذه الأسواق العلاجية تستثمر في النزاعات ونشر الفيروسات بأنواع مختلفة مما ينشط دور المخابر ويجعل الأدوية تنتشر أكثر والإقبال على حاجيات المشافي والجرحى وغرف الإنعاش واصحاب الاحتياجات الخاصة جراء الحروب، ولذلك تتحدث الكثير من الأرقام عن ارتفاع أرقام هذه الشركات مع حروب سورية والعراق وأوكرانيا واليمن وغير ذلك.
نذكر في هذا الإطار أن جائحة كورونا تسببت في خسائر كبيرة للعديد من الشركات والصناعات لكن الأم عكس ذلك تمام بالنسبة لشركات الأدوية التي حققت أرقامًا ضخمة وغير مسبوقة، ففي 2020 وحده سجلت أكبر خمسين شركة أدوية في العالم مجتمعة إيرادات بلغت 851 مليار دولار، وتصدرت شركة « جونسون آند جونسون » الأمريكية قائمة شركات الأدوية الأكثر قيمة سوقية في العالم، حيث تجاوزت 428 مليار دولار اعتبارًا من 17 سبتمبر 2021.
رابعًا:
شركات البناء وإعادة الإعمار التي تجد الأسواق الضخمة ما بعد الحروب في الدول التي شهدت الخراب والدمار، حيث بعد الحرب أول ما يفتح هي إعادة الإعمار وتوفير السكن وغير ذلك، وهذا لا تقدر عليه شركات صغيرة داخل البلد وأغلبها ستجدها قد طالها الضرر حتمًا، بل ستكون من نصيب شركات عملاقة في دول كبرى ولديها إمكانيات ضخمة في صناعة البيوت الجاهزة وتشييد الطرق والأنفاق والجسور وغيرها، ولذلك تلعب شبكات مافياوية في الصراعات من أجل تقديم خدمات لكبرى الشركات المصنعة للحديد ووسائل البناء المختلفة.
على سبيل المثال إن البنك الدولي قدّر في مارس 2023 تكاليف إعادة الإعمار في سوريا عند 7.9 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات.
كما أن مديرة مكتب اليمن في البنك الدولي تانيا مير، كشفت أن البنك وضع تقييمًا لقطاعات عديدة في اليمن، وأن تكلفة إعادة الإعمار لما خلفته الحرب تقدّر بـ 25 مليار دولار.
خامسًا:
في الحروب تجد وسائل النقل من أكبر المتضررين حيث تتدمر السيارات والشاحنات والحافلات والقطارات والطائرات والسفن والدراجات، والدولة التي تشهد الحرب تكون بعد نهايتها محتاجة لتجديد أسطولها وكل شيء فيها فضلًا عن حاجتها الكبرى لقطع الغيار وغير ذلك، لهذا تكون شركات السيارات والشاحنات وكل وسائل النقل هي المستفيد الأكبر من هذه الحالة وتفتح أمامها آفاقًا للكسب الخيالي على حساب الإنسان والبنيان الذي راح ضحية حرب مدمرة.
بالنسبة للنقل البري في سورية على سبيل المثال فقد كشفت دراسة أعدتها مجموعة عمل اقتصاد سورية أن الأضرار الحالية التي أصابت شبكة الطرق والجسور ومراكز خدمات النقل بسبب الأزمة القائمة بلغت نحو 1.437 مليار دولار.
وذكرت هذه الدراسة أن مراحل التأهيل والإنشاء لجميع القطاعات مكلفة جدًا، حيث إن تكلفة المرحلة الإسعافية تبلغ ثلاثة مليارات و835 مليون دولار، والمرحلة المتوسطة الأمد 1.189 مليار دولار، بينما تقدر كلفة المرحلة الطويلة الأمد بسبعة مليارات و505 ملايين دولار.
سادسًا:
لا يقتصر الأمر على الجانب الاقتصادي بل الجوانب السياسية والدبلوماسية لها وجودها الكبير والحاسم أيضًا، حيث إنه توجد دول لديها تطلعاتها لصناعة نفوذها وفرض تأثيرها تستعمل بعض الصراعات لصالحها فقط على حساب مصالح الآخرين، كما يجري حاليًا في المنطقة العربية.
بعض النزاعات كانت فرصة لبعض القوى الإقليمية لصناعة مكانة لها بين هذه القوى الدولية المهيمنة على العالم، ولذلك نجد هناك من يقوم بصناعة وتحريك أذرعه والخادمة لمشروعه في إشعال حروب مدمرة، وهو ما حدث بلبنان في تموز 2006، ويجري حاليًا في قطاع غزة، حيث نرى أن بعض الدول والجهات التي تربطها علاقات « خاصة » مع أطراف النزاع تتحرك لتحقيق مآربها ومصالحها على حساب الدماء والخراب الذي تسببت فيه حروب عبثية صارت المصدر المهم لتحقيق مكاسب الكثير من تجار الحروب والصراعات المدمرة.
في ظل هذا العالم المتشابك بالمصالح والمصالح المضادة والمصالح المكملة والمصالح المتبادلة والمصالح المتصادمة، لا تزال بعض الأصوات تأتي من حكومات ودول تعمل من أجل تصفير الأزمات وليس تسفيرها من مكان إلى آخر، وذلك للحفاظ على السلم العالمي من تهديدات وتحديات، وأيضًا حماية الأمن الدولي من العنف والحروب والإرهاب.
ونجد في هذا الإطار المملكة العربية السعودية التي تعمل على محاور كثيرة جدًا في إطار تجنيب العالم كوارث اللااستقرار واللاأمن منذ عقود وتصاعد الأمر في السنوات الأخيرة من خلال مبادرات ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، والذي تتلخص رؤاه فيما يلي:
الحوار هو الحل الوحيد بين الدول.
الحل الجذري للأزمات المختلفة ووضع آليات جادة لعدم تكرارها واحتواء تركتها وآثارها.
إيجاد حلول نهائية لملفات استراتيجية وفي مقدمتها قضية فلسطين وحق الفلسطينيين في دولتهم وفق الشرعية الدولية.
منع صناعة الميليشيات المسلحة وتفادي نزعات الطائفية والكراهية والتطرف اليميني الذي يغذي ظاهرة الإسلاموفوبيا.
حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.
مساعدة الدول المتخلفة والتي تعاني من أزمات اقتصادية جسيمة.
منع التدخل في شؤون الدول الداخلية واحترام سيادة الدول على حدودها ووجودها.
تجفيف منابع الإرهاب الفكرية والمادية والمعنوية والإعلامية.
الحوار الحضاري بين الشرق والغرب ومواجهة الكراهية والعنصرية والطائفية بمختلف الوسائل العلمية والعملية.
أخيرًا وليس آخرًا:
أعتقد أن العالم صار بحاجة ماسة لا بديل عنها، للعمل الجاد والعاجل غير الآجل على تصفير الأزمات القائمة وتجنب تلك القادمة التي صارت تتسارع وتهدد البشرية بحروب عالمية ستكون أكثر من الجميع، وهذا ما تجسده الرياض كعاصمة القرار العربي وعلى مستويات مختلفة عربيًا وغربيًا، ويتجسد بوضوح في مشروع سعودي واعد يقوده الأمير محمد بن سلمان الذي وضع رؤية ناجعة وناجحة تجاوزت الحدود السعودية والخليجية، وستكون الملاذ الآمن للشعوب والأمم في ظل نزعات الحرب التي سيطرت على عقول صناع القرار في العالم بضغوط من دوائر موازية وإرادات خفية مفضوحة النوايا بلا شك.