الملك سلمان وولي العهد يعزيان أمير الكويت انخفاض درجات الحرارة شمال السعودية وجويريد أول فترات الانقلاب الشتوي تعليق الدراسة الحضورية غدًا في جامعة الطائف موعد إيداع دعم حساب المواطن دفعة ديسمبر كريستيانو رونالدو الأفضل في مباراة الغرافة والنصر تفاصيل اجتماع فريق عمل مشروع توثيق تاريخ الكرة السعودية السعودية تتبنى 32 ألف مواصفة قياسية وظائف شاغرة في مجموعة العليان القابضة وظائف إدارية شاغرة بـ هيئة الزكاة بالأرقام.. رياض محرز يخطف الأنظار في آسيا
لم يَكْتَفِ الغُلاةُ التكفيريون بتكفير الحكَّام، بل زادوا الطِّينَ بِلَّةً، فانطلقوا في عمايتهم يُكَفِّرون الدُّوَلَ والدِّيارَ والمجتمعات الإسلاميَّة، ثُمَّ كان هذا التَّكْفِيرُ المشؤومُ مُسَوِّغًا لهم لإعلان الجهاد على أهل الإسلام، واستباحةِ الدِّماء والأموال والأعراض، وما إلى ذلك مِمَّا هو من مَسْلَكِ الخوارجِ الحروريَّة، وليس من منهج أهل السُّنَّةِ!
وقد أكدنا في المقال السابق على أن بلادنا العربية والإسلامية كلها دولٌ إسلامية، حتى وإن كانت تحكم بالقوانين الوضعية في قليل أو كثير، وذلك لأن العبرة للحكم عليها بأنها دولٌ إسلامية ليس بالقوانين والأحكام، وإنما بالامتلاك والتمكن والسيطرة، كما هو اعتقادُ أهل السنة وتقريرُ المذاهب الفقهية المتبعة، لا كما يرى الغلاة الذين تبنوا مذهب الخوارج في الحكم على بلادنا بأنها دول كفرٍ وردة!
وقد حقَّق تلك القضيةَ الخطرةَ الحافظُ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه “اعتقاد أهل السنة” ص51 جاعِلًا التمكينَ والسيطرةَ مناطَ الحكمِ على الدولة بالإسلام؛ إذ يقول: “ويرون (يعني أهل السنة والجماعة) الدارَ دارَ إسلامٍ لا دارَ كفرٍ -كما رأته المعتزلةُ- ما دام النداءُ بالصلاةِ والإقامةِ بها ظاهِرَيْنِ، وأهلُها مُمَكَّنين منها آمِنين”.
وتدوين هذا المناط في كتب الاعتقاد كما فعله الإسماعيلي ها هنا، يدل بوضوح ودون تردد، على أن ذاك المناط صار شعارًا لأهل السنة، ومن مجمل عقيدتها الصافية النقية، التي لا تجوز مخالفتها، ولا تحل منازعة شيء منها، لاسيما إذا عرفنا أن المخالفين لهذا المناط هم الخوارج أعداء السنة! الذين ذكر شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة في الفتاوى: (13/35) “أنَّهم سَمَّوْا دَارَهُمْ دَارَ الْهِجْرَةِ وَجَعَلُوا دَارَ الْمُسْلِمِينَ دَارَ كُفْرٍ وَحَرْبٍ” وأكد في موضع آخر من “الفتاوى”: (3/28) أنهم “جعلوا دارَ المسلمين دارَ كفرٍ وحربٍ، وسَمَّوْا دارَهم التي يُهاجرون إليها دارَ إيمانٍ، واستحلُّوا بلادَ الإسلام أكثرَ من استحلالهم بلادَ الكفار” تماما كما فعلته داعشُ في زماننا!
وأضاف ابن تيمية في “منهاج السنة” (3/269) قائلًا: “فإن الخوارج ترى السيف وحروبهم مع الجماعة مشهورة وعندهم كل دار غير دارهم فهي دار كفر” ” فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرًا ودارهم دار كفر، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم” منهاج السنة: (5/165).
وقد ذكر أبو الحسن الأشعريُّ في “مقالات الإسلاميين” (2/154) رأيَ الخوارجِ -من الأزارقةِ والصُّفْريَّةِ- في دار الإيمان: أنّها دارُ كفرٍ وشركٍ، وجاء في “حاشية البُجَيْرِميُّ” (4/201): “وأما الخوارجُ؛ وهم صنفٌ من المبتدعة، قائلون بـ: أنَّ مَن أتى كبيرةً كفرَ، وحَبَطَ عملُه، وخُلِّدَ في النار، وأنَّ دار الإسلام بظهور الكبائر فيها تصيرُ دارَ كفرٍ وإباحةٍ”.
بقي أن نشير إلى ما استروحه كثيرون من الإسلاميِّين من فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية فِي ماردين، وأنزلوا حكمَها على بلاد المسلمين، ورأوها حكمًا عدلًا ومخرجًا حسنًا، مِمَّا يجدونه فِي أنفسهم من التَّرَدُّدِ فِي وصف ديارهم بالكفر أو الإسلام، فنادوا بأنَّ بلادَهم ليست بدار إسلام مَحْضَةٍ، ولا كفرٍ خالصة؛ بل هي دارٌ ثالثةٌ، مركَّبَةٌ من الكفر والإسلام، والحقُّ أنَّ الأوصافَ غيرُ متطابقةٍ؛ ذلك أنَّ ماردين تَغَلَّبَ عليها التَّتارُ الكفَّارُ فصارت لهم الكلمةُ والسِّيادةُ عليها، بينما السِّيادةُ والغلبةُ فِي بلادنا للمسلمين، وتُطَبَّقُ فيها جملةٌ من الأحكام كافيةٌ للحكم عليها بالإسلام.
نخلصُ من ذلك كله أن دِوَلَنا (العربية والإسلامية) دولٌ إسلامية وإن حكمت بالقوانين الوضعية، وليست دولَ كفرٍ وردة، كما يرى ذلك داعشُ وأخواتها، ومن ثم فلا يجوز لداعية من دعاة السنة أن يجعلَ من أهداف دعوته: ” إقامة الدولة الإسلامية ” وذلك لأن بلادنا العربية والإسلامية ببساطة شديدة دولٌ إسلامية.
*أكاديمي وكاتب إسلامي