التعليم في اليمن.. التدمير الحوثي وجهود برنامج الاعمار

الخميس ٢٣ يونيو ٢٠٢٢ الساعة ٩:٢٧ صباحاً
التعليم في اليمن.. التدمير الحوثي وجهود برنامج الاعمار
بقلم : عبدالله إسماعيل

التجهيل ومحاربة العلم هو العنوان العريض الذي تنطلق منه الجماعات المتطرفة، وحركات العنف الديني؛ ذلك أن بيئة متعلمة وواعية، ليست البيئة الأمثل لانتشار الخرافة، أو تسهل مهمة الاستقطاب لأفكار تتجاوز صحيح الدين من ناحية، وتصطدم بمسلمات العصر واحترام الاختلاف كسنة كونية من ناحية أخرى.

كما أن هذه الجماعات لا تعتمد على المتعلمين في بناء أفراد يتميزون بالطاعة العمياء، فالمتعلم صعب الانقياد، ولا يمكن التأثير عليه، ويجعل من مهمة تجنيده أو تشكيل تفكيره مهمة أصعب، في ظل انفتاح علمي وتوسع معرفي يعيشه العالم اليوم.

وكثيرًا ما لجأت هذه الجماعات المتطرفة إلى أسلوبين في استقطاب أفرادها، يتمثل أولها باستهداف الفرد منذ الصغر لتشكيل وعيه مبكرًا على أسسها الفكرية، وثانيها استهداف الفئات والبيئات الأقل تعليمًا، مستخدمة الخطاب الديني المحرف لتشجيع الانتساب إليها، وتعظيم خدمتها كصورة من خدمة الدين، وإرضاء الرب.

في اليمن وجدت جماعة الحوثي بغيتها في مناطق تنتشر فيها الأمية أو يغلب على أفرادها قلة التعليم، لبث أفكارها المنطلقة من رؤية منحرفة لمفهوم الولاء والولاية، وتعزيز صور التضحية من أجل الدين والقائد الذي يتصل حسب زعمه من قدسية ممتدة إلى الرسول الكريم، وقد نجح هذا الأسلوب إلى حد كبير، وخاصة في مناطق تغيب عنها سبل التعليم أو تختفي كليًّا مؤسسات العلم والمعرفة.

وفي الأسلوب الثاني عمدت الجماعة إلى استهداف النشء منذ مراحل عمره الأولى، فاستخدمت المراكز الصيفية، ودورات التثقيف، واستهداف المدارس، إما بالسيطرة عليها، أو حرف مهمتها التعليمية إلى وظائف أخرى، فحولت بعضها إلى ثكنات عسكرية، أو دمرتها قصفًا وتفخيخًا وتفجيرًا، وهو ما يمكن استعراضه في موقع يوتيوب، حيث وصل الأمر إلى تفخيخ الفصول الدراسية.

التدمير الممنهج من قبل جماعة الحوثي للمدارس ومؤسسات التعليم أصبح عنوانا واضحا في كل منطقة وصلت اليها، أو استطاعت أن تطالها بصواريخها وأسلحتها، وهو ما نتج عنه مشكلة متفاقمة، تمثلت في أعداد المدارس المدمرة، أو أعداد الطلاب والطالبات الذي حرموا من التعليم، حيث قدرت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، عدد المدارس المدمرة أو المتضررة في اليمن بحوالي 3000 مدرسة، وأن ما يزيد عن 2.4 مليون طفل يمني خارج نظام التعليم.

تلك الأرقام المفجعة واستمرار الحوثي في استهداف التعليم ومؤسساته، يجعل من واجب التغلب على هذه المشكلة من أعظم الواجبات، والضرورة الملحة التي لا يجوز أن تنتظر، وجزءًا لا ينفصل من مواجهة تداعيات الحرب وإعادة البناء، ومعركة لا تنفصم عن مواجهة التجريف الحوثي وجنايته على التعليم ومناهجه ومؤسساته.

ذلك الأمر في اعتقادي تنبه له البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، وجعله في أولى اهتماماته ومشاريعه، وكان على رأس خططه منذ اللحظات الأولى لتحرير المناطق من الحوثيين، وحتى تلك المناطق التي لم يصل إليها الحوثي وكانت محرومة كليًّا أو جزئيًّا من وجود مدارس، كما حدث في المهرة على سبيل المثال، في مشهد يختصر الفرق بين إرادة الهدم والتجهيل، وجهود برنامج الإعمار في مساعدة اليمنيين لإعادة وجه بلدهم ودعم قضاياه.

ما جعلني أنوه إلى ذلك، إعلان البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن عن وضع حجر الأساس لمدرسة الوحدة المشتركة بقرية ميلات في مديرية جبل حبشي بمحافظة ‫تعز، في لفتة مهمة تستهدف منطقة أحوج ما تكون إلى هذه المشاريع، “دعمًا لفرص التعليم والتعلم، وتلبية لحاجات التعطش المعرفي للطلبة، وتيسيرًا للحصول على التعليم الجيد”، كما ذكر البرنامج في بيانه.

هذا المشروع المهم يأتي في إطار مشاريع البرنامج لدعم قطاع التعليم في اليمن، ورفد جهود الحكومة لجهة التغلب على تداعيات الحرب الكارثية على هذا القطاع المهم، وتنوعت صور ذلك الدعم السعودي عبر البرنامج لتشمل إنشاء وإعادة تأهيل المدارس والجامعات، منها مشروع تطوير جامعة إقليم سبأ وإنشاء 23 مدرسة نموذجية ومركزًا للموهوبين، لتصل إلى دعم طباعة الكتاب المدرسي بعيدًا عن تجريف الحوثي وتطييفه، ودعم النقل المدرسي، وغيرها من المشاريع.

هذا الجهد المقدر للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، في جانب شديد الأهمية، نرجو أن يستمر، وأن يكون في مقدمة أهداف مجلس القيادة الرئاسي، فالاهتمام بقطاع التعليم هو اهتمام بتحصين جيل كامل من عوامل الاستهداف الحوثي أولًا، ولإبقاء جذوة التعلم والتعليم مشتعلة في نفوس جيل كامل وضعت الحرب أمامه كل الصعوبات والتحديات لتعليم نقي مستمر.

كما أنه من الأهمية بمكان التنبه إلى حاجة أهلنا في المناطق المحتلة إلى إيجاد رؤية تساعدهم على مواجهة تداعيات جناية الحوثي على التعليم، واضطرار الأهالي إلى تعليم أبنائهم في منازلهم، وفي هذا الجانب أرى أنه من المهم دعم إعادة تفعيل القناة التعليمية اليمنية، وإيجاد منصات على الإنترنت لتقديم دروس المراحل التعليمية وتبسيطها، وإيجاد آليات لاختبار الطلاب عن بعد أو بأي طريقة مناسبة، وذلك سيشكل عاملًا مساعدًا على صمود السكان في مناطق سيطرة الحوثي، ولا يحرم طلابنا من التعليم الذي يستحقونه، وهو واجب وطني لا يجوز إغفاله أو التفريط فيه.

 

* كاتب يمني

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

إقرأ المزيد