الصحفي البريطاني دانيال بريت يكتب عبر “المواطن” : التواطؤ الغربي في إعدامات إيران الجماعيّة

الأربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ٨:٥٣ مساءً
الصحفي البريطاني دانيال بريت  يكتب عبر “المواطن” :  التواطؤ الغربي في إعدامات إيران الجماعيّة

أثارت إعدامات إيران الجماعية مؤخراً، بحق 20 كردياً سنياً، في سجن كوهردشت، في مدينة كرج، السيء السمعة، موجة احتجاج عالمية، لكن يبقى السؤال حول ما إذا كانت سياسات الأمم المتحدة والدول الغربية، تشجع حملة الإعدامات التي تقوم بها إيران، والتي تم تنفيذها في أوساط حركة التحرر الكردية المُتنامية.

وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد رايد الحسين، وصف الإعدامات بأنها تمثل “ظلماً فادحاً”، تم ارتكابه من قِبل النظام القضائي، وعلى الرغم من اتهامهم من قِبل المخابرات الإيرانية، بأنهم أعضاء في خلية إرهابية إسلامية، وبأنهم قتلة.. إلا أن اعترافاتهم جاءت تحت التعذيب، حيث تمت إدانتهم بقتل اثنين من رجال الدين السنة، وعدد من رجال الشرطة وحراس المحميات، واختطاف مجموعة من الناس، والقيام بعمليات سطو مسلح وتفجيرات، في غرب إيران.

وارتفعت معدلات الإعدام، في ظل حكم روحاني، بنسبة كبيرة، مقارنة بسلفه محمود أحمدي نجاد؛ ففي العام 2015، تجاوز عدد الإعدامات 1000، لتكون بذلك واحدة من أسوأ السنوات، منذ مجازر السجون عام 1988، عندما قتل النظام، الآلاف في حملة تطهير ضد المعارضة، وتحتل إيران صدارة الدول في معدل نصيب الفرد من الإعدام، حيث تجاوزت الصين والولايات المتحدة، في ذلك.

وبغض النظر عما إذا كانت الإعدامات بسبب المخدرات أو لأسباب سياسية، فإنها تقع بمعظمها في مناطق الأقليات غير الفارسية وغير الشيعية، حيث تنظر أغلبية النخبة الفارسية في الحكومة الدينية، إلى تلك المجموعات السكانية، باعتبارها مصدر تهديد داخلي، ولا تعتبر التهم الملفقة، الاعترافات تحت التعذيب ومهزلة النظام القضائي، التي تمثلت باعتقال ومحاكمة 20 كردياً، أمراً جديداً على إيران، وعلى القضايا ذات الطابع السياسي، بشكل خاص، فالإعدامات الجماعية لا تهدف إلى معاقبة الأبرياء، بقدر ما تحمله من توجيه رسالة للمجتمع؛ إنها بيان من قِبل النظام، يوضح مدى شعوره بالضعف، في ظل تسرب قوى التغيير، عبر الحدود الوطنية.

التحدي الكردي في إيران ليس مطابقاً لمثيله في تركيا، ولكنه يُعبّر عن الخوف من صعود حكم الأكراد الذاتي في سوريا، والذي يُنذر باحتمال انتقال عدواه التي بدأت بالفعل تلعب دورها في كل من تركيا وإيران، وكنتيجة لذلك؛ فقد وحدت جهود الأكراد، للفوز بتقرير مصيرهم، الأعداء السابقين، طهران وأنقرة ضدهم.

وجاءت الإعدامات الجماعية، في غوهارداشت، كردّ على تصاعد التمرد الكردي، الذي استمد التشجيع من المكاسب التي حققها أكراد سوريا والعراق، وكذلك لمواجهة الاضطهاد والتهميش، ليدخل أكراد إيران في تمرد مفتوح.

وفي حزيران، خاضت قوات الباشمركة الكردية الإيرانية، والجيش الإيراني، مواجهات لعدة أيام، في بعض البلدات الحدودية؛ أدت لسقوط ثمانية مقاتلين، في كل من الجانبين.

وتأتي الإعدامات لتتماشى مع السياسة الغربية الخارجية، تجاه إيران، عقب اتفاق “فينا”، حول برنامج إيران للأسلحة النووية، فبالرغم من تصاعد القمع الداخلي، فقد شهدت عملية إعادة تأهيل إيران دولياً، قيام القوى الغربية بتقديم الرئيس روحاني على أنه “معتدل”، وها هما الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، يضعان المخاوف حيال حقوق الإنسان جانباً، ويقومان بالشراكة مع إيران في مجال الأمن، والتجارة وتطبيق القانون الدولي، وهما يران أن وجود حكومة ديكتاتورية مذعنة ومستقرة في طهران، أفضل من إيران ديموقراطية تشاركية، والإعدامات تخدم هذا الهدف.

وبينما كانت الأمم المتحدة والحكومات الغربية، توجه إدانات روتينية ضد حملات الإعدام الإيرانية، كان سياسيوهم يساهمون بشكل مباشر في تعزيز مناخ إرهاب الدولة وحملات الإعدام المنظمة ضد المواطنين من غير الفرس وغير الشيعة.

حيث ترافقت البيانات الغير مجدية، والتي لا تضع حداً لتلك الأفعال، مع عملية استرضاء أجهزة الأمن وتزويدها بالمعونة بشكل مباشر، مما شجع النظام على رفع وتيرة القمع ضد الأقليات.

معظم هؤلاء الذين تم شنقهم من قِبل الدولة الإيرانية، تمت محاكمتهم بجرائم تتعلق بالمخدرات، مع ظهور نسبة كبيرة بشكل لافت للأقليات في أرقام الإعدام، حيث تم استغلال مكافحة المخدرات كغطاء لإرهاب الدولة، وبشكل خاص في ما يحدث بقضية السنة، التي تتركز في مناطق البلوش، التي يُشكل فيها تهريب المخدرات الوسيلة الوحيدة للعيش، وسط التمييز والعنف والاضطهاد.

وفي وقت سابق من هذه السنة، تم الكشف عن إبادة بحق الذكور المواطنين من كامل القرى ذات الأغلبية البلوشية، تحت ذريعة الحرب على المخدرات.

في الواقع، كان المستفيد الأكبر من تجارة المخدرات الأفغانية، هي قوات النخبة الإيرانية، المسماة “فيلق القدس”، وقائدها الخاضع للعقوبات الأميركية بتهمة تهريب المخدرات لطالبان.

وفي الوقت الذي يتبنى فيه الاتحاد الأوروبي، سياسة معارضة لعقوبة الإعدام، نجد حكومات أوروبية؛ مثل فرنسا وألمانيا، تساهم في إنفاذ قانون إيران لمكافحة تجارة المخدرات، عبر مساعدة مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات والجريمة.

وقد أدى ذلك إلى اتهامات من جانب جماعات حقوق الإنسان؛ مثل ريبريف، تفيد بأن المانحين الغربيين لبرامج مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات والجريمة في إيران، متورطين في حملات الإعدام.

يأتي ذلك، مع تحذير المقرر الخاص للأمم المتحدة حول إيران، أحمد شهيد، من أن النظام يستخدم دعم الأمم المتحدة، لتبرير الاستخدام الواسع لعقوبة الإعدام.

وعلى الرغم من هذه المخاوف، من المرجح وصول المزيد من التمويل الأوروبي الذي تم الاتفاق عليه مؤخراً، بمبلغ 20 مليون دولار أميركي، لصالح برامج مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات والجريمة في إيران، مما يضاعف أموال الاتحاد الأوروبي، التي تنفق على محاربة المخدرات في إيران.

واستمرار المساعدات لبرنامج إيران لمكافحة المخدرات القاتل، عززت الإعدام كوسيلة للسيطرة الاجتماعية.

لا يوجد مفر من ردود الفعل الغاضبة في أوساط الأقليات غير الفارسية وغير الشيعية، فقد استأنف الحزب الديموقراطي الكردي الإيراني، صراعه المسلح، بعد أن كان قد أنهى سبع سنوات من التمرد ضد طهران، في العام 1996.

وقال مصطفى هجري، زعيم الحزب الكردي، لنشرة صادرة عن معهد بحوث الشرق الأوسط، هذا الشهر: “ما الذي ينبغي علينا فعله كحزب ديموقراطي كردي في إيران؟، هل علينا الجلوس والسماح للجمهورية الإسلامية بزيادة قمعها يوماً بعد يوم، أم يجب علينا أن نواصل كفاحنا بشكل جدي، وهو ما يطالبنا به شعبنا، وخصوصاً الشباب منهم.. هدفنا من وراء استئناف الكفاح المسلح، هو وجود مقاتلينا في قلب المدن، وتعزيز معنويات الناس، وتعلم التضاريس وتشجيعهم على الانخراط في هذا الكفاح”.

قريباً، سيكتشف الأكراد الإيرانيون، ما إذا كان الغرب الذي فعل الكثير لدعم الأكراد السوريين في نضالهم ضد “داعش”، هو حليف حقيقي أم لا.

 

* رسالة ماجستير – الجمعية الملكية الآسيوية

إقرأ المزيد