الجمال في أداء فنون الجبال

الخميس ٢٦ يناير ٢٠٢٣ الساعة ١٢:٢٤ صباحاً
الجمال في أداء فنون الجبال
بقلم: خالد آل دغيم

بين لمعان السيوف وضرب الطبول وثورة البارود، وفي حضرة الفنون ومهارات الرجال، تناغمت الصفوف وانسابت ألحان الطرب من أعالي قمم جبال السروات في لحظات تُوثِّق مشاهد متنوعة مع الموسيقى والأداء والفن الجبلي الذي يعكس الأصالة، ويشكل مشهدًا فريدًا مبهرًا من خلال فعاليات مهرجان قمم الدولي “للفنون الأدائية الجبلية” الذي يعطينا مؤشرًا بأن منطقة عسير تغازل العالمية وفق إستراتيجيتها النابعة من مكوناتها الطبيعية وموروثها الشعبي والفني والطربي وبصمات ساكنيها على مر العصور، حيث كان الأوركسترا والكورال الوطنية السعودية حاضرة بالأغاني الفلكلورية الوطنية التراثية والطربية وبمشاركة سبعين عازف وكورال سعودي، ليعكس من خلالها الثقافة الموسيقية السعودية، وما تتميز به المكتبة الموسيقية من أغانٍ مميزة سجلت حضورها التاريخي، ولا تزال عالقة في أذهان المستمعين، ويهدف المهرجان إلى رفع مستوى الوعي بالفنون والموروث القديم في المملكة والعالم، ويعرف الزوار بتاريخها، وفنونها، وأساليبها، وكيفية أدائها، وإظهار ما للتراث من دور في تقارب الشعوب، وهي الرسالة الأساسية التي يركز عليها مهرجان قمم الدولي، مما يعزّز من مكانة المملكة على الخريطة الثقافية العالمية.

وهذه النسخة المتخصصة في الفنون الأدائية الجبلية بمشاركة 16 فرقة سعودية، و14 فرقة دولية، تقدم 32 لونًا جبليًّا من المملكة ودول العالم، والتي ساهمت في إبراز المواقع التراثية الأثرية في منطقة عسير حيث تمثلت في “بسطة القابل” و”قصر أبو شاهرة بالمسقي” و”قلعة شمسان” و”قرية بن عضوان التراثية”، و”قصر مالك التاريخي” و”قصور آل مشيط” وقلاع “أبو نقطة المتحمي”.

وزاد من جمال المهرجان تناغم الفنون الأدائية الجبلية بما تحمله من إرث ثقافي وحضاري في تظاهرة ثقافية دولية واحدة وتتجلى معاني الدهشة والتشابه والتكامل في فن الزحفة والخطوة والعرضة والحرابي والسيوف الى جانب الدبكة اللبنانية وفن البرعة اليمني والجوبي العراقي والتنين الصيني وعبيدات الرمي المغربي والرقص اليافعي والفن السيفانتي من جورجيا وشالوم الهندي والشامان الكوري، إضافة إلى الأزياء التراثية والشعبية التي تمتاز بها الدول المشاركة لتضيف تنوّعًا ثريًا في المهرجان وامتازت الفنون الغنائية بالمزج بين الأصوات المميزة والفرق الأدائية، الى جانب مواهب شابة، وتفعيلات ثقافية مثل الحكواتي، وأعراس القرية وطقوس احتفالاتها، ومأكولات تراثية، وإبراز الفولكلور الشعبي الثري للسعودية بمختلف المناطق، حيث يقدم صورة إيجابية فريدة عن فنون مملكتنا وفولكلورها وتراثها، ويسهم في تطوير قطاع المسرح والفنون الأدائية، في أجواء احتفالية مميزة، فضلًا عن الارتقاء بجودة الحياة وتطوير القطاع الثقافي، بالمواءمة مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، والإستراتيجية الوطنية للثقافة.

وحقيقة إن المحافظة على تعزيز هوية الإرث التراثي للفنون الشعبية، قضية وطنية، وأصالة حضارية، وعمق ثقافي، وتاريخي، وأدبي، للإنسان والمكان على امتداد الوطن. ويعكس التنوع الكبير للمواقع العتيقة والأثرية والقيمة التاريخية لها، وما تمثله من نقطة تقاطع للحضارات الإنسانية عبر العصور، ويؤكد أن غنى المملكة الحضاري والتراثي لا يقل عن غناها الاقتصادي الذي عرفت به في الأوساط العالمية.

ومن المهم جدًّا أن يكون التقييم الصحيح للموروث الشعبي، هو عندما يؤدَّى كما ورثناه عن الأجداد، والآباء، من دون زيادة، أو تغيير، أو اجتهاد؛ لأن الموروث محدد ومؤطر بنكهته الخاصة حركة وأداء، والاستعانة بالرعيل الأول، لتعليم وتثقيف الأبناء، يُعد من أنجح الطرق للمحافظة على بقائه.

ولابد أن نعلم أن “الموروث الشعبي” منتج سياحي مهم، تشارك به فرق شعبية تؤدي موروثها الشعبي والطربي، وأمر يشجع الشباب على حضور هذا الموروث الأصيل، والاطلاع عليه، وهذا الإرث جاء نتيجة تفاعل الإنسان مع البيئة من حوله.

ويتميز الفلكلور الشعبي في السعودية بأنه مبني على الوحدة والجماعة، وتتخلله الأغاني الحماسية والألعاب التي تعبر عن العادات والتقاليد العربية، حيث يعدها المواطنون مفخرة لهم، يتوارثونها جيلًا بعد جيلٍ، وتتميز كل منطقة من مناطق المملكة بالعديد من ألوان الفنون الشعبية.

 

* رئيس مجلس إدارة جمعية الإعلام السياحي

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

إقرأ المزيد