“الاقتصاد والتخطيط”.. وتساؤلات عن الدور الحقيقي المفقود لأهم الوزارات!

السبت ٢٨ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٢:٢٣ مساءً
“الاقتصاد والتخطيط”.. وتساؤلات عن الدور الحقيقي المفقود لأهم الوزارات!

مثّلت الاستقراءاتُ التي خرج بها الكاتبُ الأمريكي المعروف توماس فريدمان في مقاله بصحيفة “نيويورك تايمز”، عقب لقائه مع ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، مؤشراً إيجابياً لشباب السعودية، خصوصاً عندما أوضح فريدمان أن ولي ولي العهد “يخلق الحوافز التي المواطنين على الالتحاق بالقطاع الخاص، إذ إن 70% من السعوديين تحت 30 عاماً، ووجهة نظرهم تختلف عن باقي الـ30%، والعمل يجري لخلق وطن لهم يريدون العيش فيه بالمستقبل”.
ولعل الإشارة الواضحة للشباب وحلمهم بـ”وطن المستقبل”، كانت واضحة هنا، خصوصاً عقب معرفتهم، وفقاً لمقال فريدمان، بالهاجس اليومي للأمير محمد بن سلمان بوصفه رئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بعمل “لوحة قياس حكومية على الإنترنت تعرض بشفافية أهداف كل وزارة من خلال مؤشر الأداء الرئيسي، يتم من خلالها محاسبة كل وزير، بما يعني إشراك جميع السعوديين في الأداء الحكومي، وبالتالي تصبح القرارات الكبرى التي يتم اتخاذها في عامين، تحدث كل أسبوعين”، وأيضاً إدراكهم لتلمُّسهم لما يشعر به الأمير محمد بن سلمان، بشأن التحديات الرئيسية للاقتصاد السعودي، والتي “تتمثل في الاعتماد المفرط على النفط، والطريقة التي تُعد وتنفق بها الميزانية”.

بيت القصيد.. في “الاقتصاد والتخطيط”
عند الوصول إلى جزئية إعداد وإنفاق الميزانية وشأن اقتصادي مهم في الاعتماد على النفط ونماذج “الاقتصاد الريعي”، يجدر الالتفات إلى دور وزارة الاقتصاد والتخطيط في هذا الجانب، حيث يفهم أغلب أبناء المملكة أن هذه الوزارة تظهر فقط مع إعلان الموازنة في أواخر ديسمبر من كل عام ميلادي.
إلا أن من بين الحقائق المفرحة في السنوات الأخيرة، أن بعض شباب السعودية بدؤوا يتساءلون عن هذه الوزارة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل معرفتهم بدخولهم في الحيِّز الأكبر من اهتمام القيادة، قد يجعلون يطلبون ضرورة دخول دهاليز هذه الوزارة، التي يُفترض أنها أهم الوزارات السعودية؛ لمعرفة الدور الحقيقي المفقود، الذي يجب أن تقوم به، وهي قد تأسست قبل أكثر من نصف قرن بمسمي “وزارة التخطيط”، قبل أن تُضاف إليها جزئية الاقتصاد في السنوات الأخيرة، ولعلها جزئية مهمة تمنحها المزيد من الأهمية.. فهل هي على قدرها؟

10 خطط خمسية.. والمشاكل كما هي!
أحداث الأيام الفائتة – إذا أردنا التحدُّث عن آخر الوقائع المعيشة – تلخِّص إشكالية طويلة تعيشها المدن السعودية بمختلف مواقعها ومحصِّلات مشاريعها وإنفاقها السنوي، من خلال سوء بالغ في تصريف مياه الأمطار، يستمر أكثر من 50 عاماً، هي عمر وزارة التخطيط.
ولعل تلك الوزارة خلال عمرها الخمسيني، قدمت 10 خطط خمسية على الأقل، والنتيجة الميدانية لواقع تصريف مياه الأمطار والسيول لا تزال “صفراً”، فها هي الرياض العاصمة تغرق، ومعها بريدة وحفر الباطن ورفحاء وجدة، و…، و…، ولعل القائمة ستطول هنا من أسماء المدن.
جدة التي عانت ما عانت بشأن “الكارثة” الشهيرة قبل 6 سنوات بالتمام والكمال، في نوفمبر 2009، لم يتغيّر شيء في خارطة التغييرات المفترضة لمواجهة أي مخاطر لاحقة، بعد أن كشفت أمطار لم تتجاوز غزارتها 22 ملليمتراً تلك الحقيقة المخجلة.
حاولت كل الجهات المعنية في جدة أن تقدم جهدها بشأن تلك المشروعات، من خلال 6 ميزانيات متلاحقة أعدتها وزارة الاقتصاد والتخطيط، ولعها جاءت في سنوات شهدت نهضة كبرى في المداخيل الرئيسية ورصد أكبر للمنصرفات.
لكن الأهم من كل ذلك، ألم يكن مجديًّا حضور وزارة التخطيط في هذا الشأن الذي لا يهم جدة وحدها بل الوطن كله، بتقديم خطة طويلة المدى لاستنهاض المدينة الثانية في المملكة من جديد في أعقاب كارثة 2009، بالاستعانة بكل بيوت الخبرة اللازمة في الداخل والخارج. لو حدث هذا الأمر، لكانت السنوات الستة، التي تتجاوز مدى أي خطة استراتيجية في علم التخطيط، كافية تماماً لتغيير معالم جدة بصيغة تنافس أبرز مدن العالم. ونفس الشيء، يقال بالنسبة للعاصمة الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام، إذا افترضنا أنها المدن الأبرز والأكثر احتضاناً للسكان والزوّار.

عندما يقتصر الدور على عناوين برّاقة!
مع نفس يوم نشر توماس فريدمان لمقاله عن ولي ولي العهد في “نيويورك تايمز”، الذي أبهج الشباب السعودي، كان للكاتب السعودي محمد أحمد الحساني في صحيفة “عكاظ” رأي محزن وهو يتساءل “أين دَور وزارة التخطيط؟!”.
الحساني قال: “وضعت أول خطة خمسية من قبل الوزارة لتغطي الفترة من عام ٩٠ هجرية إلى ٩٥ هجرية وبعد ذلك توالت خططها الخمسية، ولكنها كانت خططاً بلا ملامح، ولذلك لم تظهر آثار على أرض الواقع تدل على وجود تخطيط حقيقي وخطط منفذة، وكأن دور الوزارة اقتصر على تجميع ما تقدمه الجهات الحكومية لها من مشاريع وبرامج واحتياجات، لتقوم بترتيبها وتبويبها ووضعها تحت عناوين تبدو براقة مع نشر كل خطة خمسية جديدة. ولكن الوطن وصل إلى الخطة الخمسية العاشرة، وما زال الحديث قائماً عن وجود خلل في أمور عديدة كان من المفروض أن يعالجها التخطيط وأن يرى المواطنون أثراً إيجابياً لذلك العلاج، فينعكس على الوطن كله في جميع مجالات الحياة”.
وأضاف الكاتب السعودي موضحاً: “البطالة على سبيل المثال لم تزل قائمة وهي ثغرة من ثغرات سوء التخطيط، والاعتماد الكلي على ثروة ناضجة لا يزال قائماً، وما أنشئ من مشاريع عامة وخاصة أصبحت من عناصر استنزاف الثروة الوطنية في الزراعة، وفي بعض الصناعات نجد الاستنزاف كبيراً للمياه وللطاقة الكهربائية وإنتاج‏ هذه يعتمد على منتجات النفط، أما تخطيط المدن والتخطيط السكاني والعمراني واحتياجاته من الأسواق ووسائل النقل وغيرهما، فهي مسائل اجتهادية تقوم بها كل جهة مشرفة لنشاط معين، دون أن يكون للوزارة دورٌ مع أنها هي المسؤولة عن الدورة الاقتصادية في الوطن”.

إقرأ المزيد