عون السلولي يوجه رسالة لجماهير الأخضر المتحدث باسم الكرملين: الظروف غير مهيأة لإنهاء الصراع في أوكرانيا حاليًّا إطلاق أعمال المسح الشامل لاستعمالات الأراضي والمباني في الرياض عملية نوعية تحبط تهريب 375 كجم قات والإطاحة بـ8 مهربين بعسير رينارد: هذا الجيل رائع ومباراة عمان صعبة لأول مرة.. علاج مريضة سكري حامل بمضخة إنسولين في الرس الإطاحة بشبكتين لتهريب المخدرات والاتجار بها والقبض على 13 عنصرًا إغلاق عقبة الهدا بالطائف لمدة شهرين ابتداء من 1 يناير 2025 بدء إشعار ملاك المباني الآيلة للسقوط بحي الفاروق بجدة لاستكمال الإجراءات النظامية خدمات جديدة لـ هيئة المهندسين عبر توكلنا تعرف عليها
في رحلتي لكندا (2009م) قابلت شبابًا من الجالية الصومالية، زعموا أن الصومال دار كفر، وليست بدولة إسلامية، مع أن الرئيس الذي كان يحكم الصومال في ذلك الوقت أحد قيادات الجماعات الإسلامية! وقبل ذلك (1996م) خرجت طالبان في أفغانستان على رئيس دولة المجاهدين الإسلامية في كابول بهدف إقامة الدولة الإسلامية في أفغانستان!
إن إقامة الدولة الإسلامية هو الحلم الأكبر والهدف الأسمى لدى أكثر الجماعات الإسلامية، ولأجل تحكيم القوانين الوضعية في بلادنا العربية والإسلامية، فإن الغلاة نَزَعوا عنها جهلًا بغير علم صفة الإسلام، وأحسن هذه الجماعات حالًا من اعتبر بلادنا مركبة من صفتي الإسلام والكفر، وقد نجم عن هذا الاعتقاد القبيح استباحةُ الدماء وانتهاكُ الأعراض والتفجير والتخريب والسعيُّ بالفساد في البلاد.
وجهل هؤلاء أن الحكم بالقوانين الوضعية في قليل أو كثير ليس هو المناط الصحيح عند أهل السنة وفقهاء المذاهب الأربعة في الحكم على البلاد بالكفر والردة، بل هو مناط الخوارج والمعتزلة قديمًا، وداعش وأخواتها حديثًا.
فسيطرةُ المسلمين على البلدة، وسيادتُهم عليها، وامتلاكُهم لها: هو مناطُ الحكمِ عليها بالإسلامِ، عند أهل السنة والجماعة والمذاهب الفقهية المتبعة، ثُمَّ يَتْبَعُ السيطرةَ على البلاد والتمكنَ من حكمها علاماتٌ توجدُ أحيانًا- كظهور الشعائر- وتضعُفُ أحيانًا، بل رُبَّما تنعدِمُ أحيانًا أخرى، كالقوانين والأحكام، كما في حالة البلاد التي سيطر عليها المسلمون عبر تاريخهم، وأقروا أهل الذمة يعيشون فيها مقابل خراج يدفعونه، فحكامهم وقضاتهم غير مسلمين (من أهل الذمة) ويحكمون بينهم بقوانينهم غير الإسلامية، فهذه بلاد إسلامية، مع أن سكانها ليسوا بمسلمين، وقوانينهم ليست بإسلامية، مما يؤكد أن العبرة في الحكم على الدولة ليس بالأحكام ولا بالقوانين ولا بوجود المسلمين، بل بالسيطرة عليها والامتلاك لها والتمكن من حكمها.
وبعبارةٍ أخرى كما في كتاب أحكام الذميين والمستأمنين: (ص18): ((فالشرطُ الجوهريُّ لاعتبارِ الدارِ دارَ إسلام هو كونُها محكومةً من قِبَلِ المسلمين، وتحتَ سيادتِهم وسُلطانِهم)) وفي هذا يقولُ الإمامُ الرافعيُّ كما في كتابه فتح العزيز (8/ 14): “ليس من شرطِ دارِ الإسلامِ أن يكونَ فيها مسلمون، بل يكفي كونُها في يَدِ الإمامِ”.
والحق- والحق أقول- أني لَمْ أجد اختلافًا في هذا المناط بين أهل السنة ولا بَيْنَ فُقَهاء المذاهب الأربعة، غير أنَّه قد وقع في شيءٍ من نصوصِهم بعضُ تبايُنٍ في الأسلوبِ والعباراتِ، حَسِبَها بعضُ الباحثين اختلافات متباينة، فحكاها أقوالًا مُتنافرةً! مع أنها تخرج من مشكاة واحدة، متفقة على معاني واحدة، وليس هذا بغريبٍ على مَنْ عَرَفَ طريقةَ العلماءِ ومناهجَهم في البحثِ والتصنيفِ.
ويمكن أن نستدل لذلك المناط المتفق عليه بحديثِ أنس- رضي الله عنه- قال: (كان رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- يُغيرُ إذا طَلَعَ الأذانُ، فإنْ سمع أذانًا أمسكَ، وإلا أغارَ)، فكان صلى الله عليه وسلم يكتفي في الحكم بإسلام البلدة بسماع الآذان منها، إذ يدلُّ في هذا الوقت المبكر على سيطرة المسلمين عليها وتمكنهم منها، وما كان- صلى الله عليه وسلم- ينتظر بعد سماع الأذان وقتًا إضافيًّا كيما يتأكد من تطبيق هذه البلدة للقوانين الشرعية من أجل أن يحكم بإسلامها، كما كان من قبل ومن بعد لا يتوقف في الحكم على الرجل بالإسلام حتى يتأكد أنه يطبق كل أحكام الإسلام، وإنما كان يحكم على الرجل بإسلامه بمجرد إقراره بالإسلام وإتيانه بالشهادتين!
صفوة القول وخلاصة الحُكْمِ- في هذه المسألةِ- ما قاله العلامة المُحقِّق الشوكاني في (السيل الجرار (4/ 575): “الاعتبارُ بظهورِ الكلمةِ؛ فإن كانت الأوامرُ والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيثُ لا يستطيعُ مَنْ فيها من الكفار أنْ يتظاهَرَ بكفرِه- إلا لكونِهِ مأذونًا له بذلك مِنْ أهلِ الإسلامِ- فهذه دارُ إسلامٍ، ولا يضرُّ ظهورُ الخصالِ الكفريةِ فيها؛ لأنَّها لَمْ تَظْهَرْ بقوةِ الكفار ولا بصولتِهم كما هو مُشاهَدٌ في أهل الذمة من اليهود والنصارى، والمُعاهَدين الساكِنين في المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمرُ بالعكسِ فالدارُ بالعكسِ”.
وقد اختصر ابنُ حزمٍ الكلامَ في هذه المسألةِ- أيضًا- قائلًا: “والدارُ إنَّما تُنسبُ للغالبِ عليها، والحاكمِ فيها، والمالكِ لها” كما في ((المحلى)) (13/ 140).
نخلص من ذلك كله أن دولنا كلها إسلامية، حتى وإن كانت تحكم بالقوانين الوضعية في قليل أو كثير؛ وذلك لأن العبرة للحكم عليها بأنها إسلامية ليس بالقوانين والأحكام، وإنما بالامتلاك والتمكن والسيطرة، لا كما يرى الغلاة الذين تبنوا مذهب الخوارج في الحكم على بلادنا بأنها دول كفرٍ وردة! كما سنبين ذلك في المقال القادم بإذن الله تعالى.
* أكاديمي وكاتب إسلامي