الرياض وموسكو تعيدان صياغة سياسة المسرح العالمي برؤية محمد بن سلمان

الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧ الساعة ٢:١٩ صباحاً
الرياض وموسكو تعيدان صياغة سياسة المسرح العالمي برؤية محمد بن سلمان

احتفلت روسيا، في العام الماضي، بالذكرى العشرين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع المملكة. ورغم الاختلافات الطبيعية بين البلدين، فإنهما متشابهتان تمامًا وفق المفاهيم الاقتصادية: فكلا البلدين قوة كبرى في مجال الطاقة، ومن المؤكّد أنّهما لا يتنافسان مع بعضهما البعض على المسرح العالمي، بل يقومان بدور الضامن لاستقرار الاقتصاد العالمي بالنظر لكونهما لاعبين رئيسيين في إنتاج الطاقة.

زيارة محمد بن سلمان إلى موسكو .. تقاطع الآراء يمهّد لتمتين العلاقات

ومثّلت الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان إلى روسيا، نوعًا من الإدراك لأهمية الدور الروسي الفاعل في المنطقة، كما عدت تنسيقًا ما مباشرًا يُراد من ورائه رأب الصدع بالنسبة للخلافات القائمة حول عديد من القضايا الشائكة، أبرزها الاختلاف الحاد في وجهات النظر حيال الملف السوري.

وتأتي أهمية هذه الزيارة، من كونها أعقبت بأيام معدودة القمة الإسلامية الأميركية الموسعة التي تمت في الرياض منتصف أيار/مايو الماضي، والتي أسفرت عمَّا يراه مراقبون تقاربًا كبيرًا في وجهات النظر السعودية الأميركية، حيال العديد من الملفات، لا سيّما الملف السوري والملف الإيراني.

التعاون الوثيق مطلب مرحلي:

ومن أجل زيادة المزايا التنافسيّة لكل من السعودية وروسيا، في السوق العالمية، فإنهما بحاجة لتعاون أوثق، وذلك لتوسيع وتنويع العلاقات التجارية والاستثمارية فيما بينهما، وهو ما أتت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو، في الثلاثين من أيار/مايو 2017؛ لتفتح الباب على مصراعيه أمام كثير من التكهنات حول مغزاها وما ترمي إليه من دلالات، ولا سيما مع ما تموج به المنطقة من أزمات كبرى، لا تزال أحداثها معلقة لا تعرف الحل، وخصوصًا مع ما قدمته تلك الزيارة من وعد بزيارةٍ ما قريبةٍ للملك سلمان ، والتي ستكون أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا.

الأزمات الإقليمية:

وتتباين وجهات النظر السعودية الروسية بشكل عميق حيال كثير من هذه الأزمات؛ خصوصًا الأزمة السورية وما يكتنفها من تعقيدات جمة وتداخلات إقليمية كثيرة، تحول دون حدوث أي تقدم في حلحلتها، والسعودية وروسيا طرفان فاعلان في هذه الأزمة؛ لذا فإنه يؤمل كثيرًا من تلك اللقاءات المباشرة بين قادة البلدين حدوث انفراجة ما.

محطات في تاريخ العلاقات الثنائية:

ما قبل عام 2003، شهدت العلاقات بين السعودية وروسيا تقاربًا، محكومةً بمصالح واتفاقات جديدة، أهمها اتفاق الأسلحة الأخير، لكن هذه العلاقة ليست رهينة اللحظة الحالية إنما تفاوتت خلال السنوات بين مد وجزر.

وبدأت العلاقات مع مطلع 1979، والجدير بالذكر أن العلاقات بين البلدين كانت مقطوعة منذ الثلاثينات، ولم تسنح الفرصة في ذلك الحين لإحيائها لأسباب كثيرة أهمها:

الدعم العسكري السوفياتي للأنظمة الماركسية في إثيوبيا واليمن الجنوبي وأفغانستان، والذي كان يهدف في الأساس ـ بحسب مراقبين ـ إلى محاصرة المملكة الغنية بالنفط، ومن ثم التأميل في سقوط أسرتها الحاكمة المتحالفة مع الولايات المتحدة.

وقد عمَّق هذا الافتراضَ أمران: أولهما الغزو السوفياتي لأفغانستان، وثانيهما عدم اليقين إن كانت الثورة الإيرانية قد تتطور في اتجاه ماركسي.

وعلى الرغم من التحسن العام في علاقات موسكو مع الغرب والذي وقع في ظل حكم ميخائيل غورباتشوف، لم تستأنف المملكة العربية السعودية والاتحاد السوفياتي العلاقات الدبلوماسية إلا بعد غزو العراق للكويت في عام 1990، حيث مثّلت هذه الحرب أرضية ما مشتركة للبلدين كي تمر علاقتهما بانفراجة، لكن سرعان ما تدهورت العلاقات مرة أخرى وتحديدًا في منتصف التسعينات، إثر تعبير الرياض عن قلقها إزاء مبيعات الأسلحة الروسية لإيران، ودعم موسكو العلني لبرنامج طهران النووي، الذي يخشى كثيرون أن يؤدي إلى امتلاك طهران أسلحة نووية.

ومع بداية وقوع الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر 2001، كانت العلاقات السعودية الروسية لا تزال على توترها السابق، بل إنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتأى أنَّ الوقت غير مناسب لتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية فحسب؛ بل تشجيعها كذلك على الدخول معه في شراكة.

ورغم هذه الخطوة التي ربما عمقّت الخلافات وعززت مصادر التوتر والقلق، إلا أنه وبحلول عام 2003 تغير كل شيء بشكل مفاجئ؛ إذ بدأت العلاقات الروسية الأميركية والأميركية السعودية في التدهور؛ وذلك نتيجة الحرب على الإرهاب التي قادتها واشنطن، إذ عارضت موسكو والرياض اندلاع الحرب في العراق، وبناءً على هذا الاتفاق في وجهات النظر حيال الملف العراقي بدأت حِقبة جديدة من العلاقات بين السعودية وروسيا.

 

ما بعد عام 2003، مثلت زيارة ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، نقلة كبرى في تاريخ العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية؛ إذ فتحت المجال على مصراعيه لتقارب مميز لم تعهده الدولتان معًا من قبل، فبدأت العلاقات بينهما في النمو وفي اتخاذ خط جديد مختلف من التكامل والتقارب، فتغير موقف المملكة من انتقاد سياسات روسيا في الشيشان إلى دعمها؛ خصوصًا بعد التفجيرات التي نالت من الأراضي السعودية حينها وتبناها تنظيم “القاعدة” الإرهابي، ومن هنا بدأت الدولتان في تعرف كل منهما الأخرى كحليفين في مواجهة عدو مشترك، كما عزز ارتفاع أسعار النفط في بدايات الألفية رأب الصدع فيما يخص النفط وحدود إنتاجه.

وأوجد التقارب السعودي الروسي، في تلك الفترة، توجسات لدى البعض من إمكان استغناء المملكة عن خدمات الولايات المتحدة في إطار التنسيقات الأمنية والعسكرية؛ والاستعاضة عنها بدور روسي فاعل، غير أن تلك الشكوك لم تجد لها مكانًا في الواقع.

توازنات سعودية عالمية:

ومن خلال العرض المتقدم، نرى أنّه وفي حين أنَّ العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا منذ عام 2003 قد نمت وتطورت بشكل ودي مضطرد، إلا أنها لم تخلُ ممَّا يعكرها من اختلافات، اختلافات حدّت أو بالأحرى منعت تقدمًا ما في اتجاه روابط أقوى وأمتن، فروسيا والسعودية حتى عام 2009 لا يمكن وصفهما بالأعداء، وكذلك لا يمكن وصفهما بالحلفاء، فقط نقطة وسط من الحذر والمصالح تجمعهما.

وأضحت العلاقات بين البلدين، في عام 2010، لا تتعدى الأشكال البروتوكولية التقليدية، ثم تجددت الأجواء وازدادت سخونة من حيث تقاطعات الآراء في عام 2011 وبداية الخريف العربي، لتمثّل الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا، نوعًا من الإدراك لأهمية الدور الروسي الفاعل في المنطقة، كما عدت تنسيقًا ما مباشرًا يُراد من ورائه رأب الصدع بالنسبة للخلافات القائمة حول عديد من القضايا الشائكة، أبرزها الاختلاف الحاد في وجهات النظر حيال الملف السوري.

هكذا أتت زيارة الأمير محمد بن سلمان لروسيا لتمثل محاولة جادة من الأمير الشاب للتنسيق مع روسيا حيال ما استُجد من مواقف صلبة مدعومة من كثير من القوى الإقليمية والعالمية، ولتمثل كذلك تدعيمًا للعلاقات الثنائية وتخفيفًا لحدة التوتر الذي شهدته علاقة البلدين على مدار الأعوام الخمسة الماضية.

إدراك ظاهر لحدود العلاقة:

وتُدرك السعودية وروسيا حقيقة الحدود التي تتأرجح فيها علاقتهما صعودًا وهبوطًا، ومن هذا المنطلق حاول الأمير محمد بن سلمان فتح أفق جديد في طبيعة هذه العلاقة، أملًا في حل الوضع الإقليمي بالنسبة للأزمتين السورية واليمنية، ومن ثم التفرغ شبه التام للملف الإيراني ومحاولة مواجهته عن كثب.

وتقريب وجهات النظر مع روسيا حيال الشأن السوري واليمني، من شأنه أن يدفع قُدمًا باتجاه تطور في العلاقات بين البلدين، ومن ثم الاعتماد على هذا التطور في إثناء موسكو قليلًا عن دعم إيران عسكريًا وسياسيًا.