تعليق الدراسة الحضورية اليوم في جامعة القصيم الأعاصير لا تحدث إلا في أزمنتها سجن 5 صنّاع محتوى بتهمة خدش الحياء والتجاهر الفاحش في تونس الدراسة عن بُعد في جامعة الطائف غدًا الأربعاء عبدالعزيز بن سلمان: جاهزون لتصدير الكهرباء النظيفة والهيدروجين الأخضر بأي حجم كان بيولي: لم أفكر في الهلال وهذا سبب الخسارة اليوم غرامة تصل لمليون ريال حال تصوير الأشخاص من خلال مقرات العمل 55 مباراة محلية لـ الهلال دون خسارة الفيحاء يصعد لربع نهائي كأس الملك الشيخ المطلق: احذروا أنصاف المتعلمين
سورة القلم من أوائل ما نزل ، وفيها جملة عجيبة من القيم والأخلاق التي جاءت بذم ما يقابلها والنهي عن إتيان ضدها .
وقدمت السورة بآية ما أجملها من آية ، امتدح الله فيها خلق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم { وإنك لعلى خلق عظيم } ووصفت عائشة رضي الله عنها خلقه بأوجز عبارة وأشملها : كان خلقه القرآن .
ومن تأمل هذه السورة التي ورد مدح خُلقه عليه الصلاة والسلام فيها أسفرت له المناسبة ، وبانت له الحكمة .
ففي السورة نُهي ذو الخلق العظيم أن يطيع { كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } وهذه أخلاق من لا خلاق لهم ، كثرة الحلف فهو ( حلاف ) يحلف بالباطل ، لهذا وصفه ب ( مهين ) فهو محتقر عند الناس لسفاهة رأيه وبيان كذبه .
والحلف في القرآن يأتي على يمين يعلم صاحبها كذبه ، فيحلف وهو كاذب عليم بكذبه . بخلاف القسم ، فهو يأتي لبيان أن المقسم يعتقد ما أقسم عليه ، كما في قوله { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } وغير ذلك من الآيات . وأما الحلف ففي مثل قوله { يحلفون بالله ما قالوا } وقوله { يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا } فهم يحلفون وهم يكذبون في الزعم وفي الحلف . وهذا يجعل وصف الحلاف هنا بأنه الحالف على الكذب وهو يعلم أنه يكذب .
وللأسف كثر الحلافون في مجتمعاتنا ، خاصة في تأكيد ما يشيعون وما يختلقون من أساطير ، خاصة ما يشاع عن الأئمة الأعلام من العلماء ، أو من الحكام ، أو من مشاهير الناس ، فينسجون القصص حولهم ويحلفون بالله إن سندها لمتصل بالعدول الثقات ، وكل السند مجاهيل ليس فيهم صدوق ، إلا من رحم الله ، وقليل ما هم .
ووصف المرء بكثرة همزه ، ويندر أن يكون الهمز إلا مع غيبة ، أو سخرية من حاضر ، وهذه من أسوأ الأخلاق وأشدها حرمة .
وجمع الشر من أبوابه بمشيه بالنميمة ، ينقل الكلام ليوغر الصدور بين المتصافيين ، ويشعل نار الحرب بين المتآخيين ، ويفرق شمل المتحابين ، وما أشدها من جريمة .
وهو غليظ جاف في طبعه ، دعي ، فيه تجبر ، وغلظة عرف بها لشدة تجبره ، فاستحق الوصف { عتل بعد ذلك زنيم } .
هذا مختصر ساخن لبعض الصفات التي تنخر في جسد المجتمع وتنقض صفه ، وتهدم بنيانه ، وتملأ القلوب غلا وحقدا وعداوة وبغضاء .
فليس يتخلق بها من تشبه بالموصوف بأنه على خلق عظيم ، خلق جاءت منثورة في القرآن العظيم ، حيث الحث والتأكيد على الاعتصام بحبل الله والاجتماع وعدم التفرق والتنازع ، وحفظ اللسان ، وغير ذلك من أخلاقيات الدين السمحة ، التي تجمع ولا تفرق ، وتصلح ولا تخرب .
وفي السورة التحذير عبر القصة من الشح والبخل كما في قصة أصحاب الجنة ، والحث من خلالها على السماحة والبذل والتواضع للفقراء والمساكين ، وسرعة التوبة إلى الله من سيء الأخلاق .
ومن أهم ما نهت عنه السورة طاعة المكذبين ، وبينت أنهم { ودوا لو تدهن فيدهنون } وهي عروض سيواجهها كل مستن بذي الخلق العظيم ، ممن يأبى الانقياد لسنته ، والتصديق بشريعته ، سيواجه مغريات ومغريات ، ربما توهم من حسنها أنها في صالح دعوته ، وأنها ربما جذبت إليه الأتباع ، أو خففت عنه الأعباء ، وما تلك الظنون إلا أوهام ، وما تلك المغريات إلا هباء .
هذه غرسة من أخلاق الإسلام تبذر في أرض الدعوة ، لتثمر حسن التعامل ، ورقة الإحساس ، وهي التي أنتجت جيلا هاجر وأخرج من دياره ابتغاء رضوان الله ، ونصرة لله ، وآخرين أحبوهم ، وسلمت صدورهم من الحسد والتعالي ، بل جاوزوا تلك المستنقعات الخسيسة إلى نهر الإيثار ، الذي يصب في بحر العطاء .
ويتبين من خلالها أن الأخلاق هي الغاية من الرسالة ، الأخلاق المزكية للأنفس ، المطهرة للقلوب ، كما في حديث المفلس الذي يأتي يوم القيامة بأعمال جليلة ، صلاة وزكاة ، وصدقة وصياما ، فتتفرق حسناته التي أتعب نفسه في جنيها بهذه الأعمال ، وما نال الحسنة إلا بقبول وإخلاص ومتابعة ، فقد بذل فيها وسعه ، لكنه أضاع كل ذلك بما ناقضها من شتم لهذا ولطم لهذا وغيبة ونميمة وأكل لمال بالباطل ، وظلم واعتداء .
وتحتاج هذه السورة إلى مزيد عناية من الخطباء والمفكرين والوعاظ للغوص في أعماقها واستخراج كنوزها في زمن ضاعت فيه القيم ، واختلط الموروث السيئ بالشريعة السمحة حتى زاحمها وأقصاها ، ولا يكون هذا إلا بالعلم والتعليم ونشر الهدي عبر الكتابة والتقنية التي يسرها الله لعباده لمواجهة السيل المنجرف بالكذب والزور والبهتان . والله من وراء القصد .