مراصد مزودة بالتقنيات الحديثة والتلسكوبات

رؤية الأهلة في السعودية تاريخ ممتد لتحري دخول الشهور الهجرية

الأحد ١٠ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٥:٣٠ مساءً
رؤية الأهلة في السعودية تاريخ ممتد لتحري دخول الشهور الهجرية
المواطن - واس

أولت المملكة اهتماماً كبيراً بجانب رؤية الأهلة؛ لارتباطها بعبادات لدى المسلمين؛ وهي عملية تحري ورصد دخول الأشهر الهجرية؛ وفقًا للسنة القمرية، وتكون عن طريق المحكمة العليا التي تضمن موثوقية الترائي بعدد من الضمانات، منها المعيار الطبي لفحص حدة النظر لدى المترائين؛ حيث تجمع بين رؤية الهلال بالترائي والاستعانة بالمراصد الفلكية، في أماكن مناسبة لترائي الهلال خلال الأوقات المحددة لرصده بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من الأشهر القمرية.
وشهدت المملكة إنشاء أول مرصد فلكي في مكة المكرمة عام 1948م؛ وذلك على جبل أبي قبيس في عهد الملك عبدالعزيز؛ والذي انتقل مؤخراً إلى برج الساعة في مكة المكرمة؛ فيما تشير بعض المصادر التاريخية إلى أنه قبل انتشار وسائل الإعلام كان قاضي مكة أو نائبه وبعض الشهود يصعدون إلى هذا المكان فوق جبل أبي قبيس لتحري رؤية الهلال، فإذا ثبت لديهم، صعد أحدهم إلى المكان، وبيده قطعة قماش يشير بها، فيراه الموجودون في قلاع مكة، ويطلقون المدافع إعلاماً بدخول الشهر الكريم أو خروجه.

المراصد الفلكية

وتتمتع المملكة بالعديد من المراصد الفلكية، ومن أبرز تلك المراصد، سدير وتمير، ومراصد أخرى يتم فيها رصد هلال رمضان، بينها مراصد الرياض والمدينة المنورة والقصيم والظهران وشقراء وحائل وتبوك؛ حيث أوكلت مهام ترائي الأهلة؛ للمحكمة العليا التي تقف على ضمان موثوقية الترائي من خلال معايير عدة منها المعيار الطبي، ويخضع المترائي لتجربة طويلة واختبار طبي لفحص حدة النظر، ثم تُعرض أوراقه على اللجنة الإشرافية الدائمة لرصد الأهلة بوزارة العدل المعتمدة بأمر سامِ ويتابع أعمالها وزير العدل.
وتتمثل آلية ترائي الأهلة؛ من خلال تولي المحكمة العليا ندب قضاة في مواقع الترائي بالمراصد المنتشرة في أنحاء المملكة، تحت إشراف مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وبحضور عدد من المتخصصين في علوم الفلك ورصد الأهلة؛ فيما يتم اختيار مواقع الترائي عبر عدة معايير؛ لتسهيل عملية الترائي بدقة، حيث يكون الترائي بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري القمري فإذا رؤي الهلال بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين ولو بدقيقة واحدة فيكون الشهر ناقصًا أي 29 يومًا، وتكون تلك الليلة ليلة الشهر التالي.


من جانبها، وفرت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مراصد موزعة في عدد من مناطق المملكة منها الثابتة في مكة المكرمة “مرصد أم القرى” وفي تبوك ” الوجه، وحالة عمار” والباقي متحركة في كل من الرياض “سدير، وتمير، وشقراء”، والقصيم، والدمام، والمدينة المنورة، وحائل؛ فيما يخضع اختيار مواقع هذه المراصد لمعايير جغرافية، وعلمية، وفلكية؛ تُسهِّل عملية الترائي للوقوف على دقة هذه المراصد من رؤية للهلال أو عدمها.

تقنيات حديثة

وتضم المراصد الفلكية لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أجهزة مزودة بالتقنيات الحديثة والتلسكوبات ومناظير من نوع “CCD”، والكاميرات الحرارية؛ لتعمل هي والمرصد الفلكي بجامعة المجمعة في حوطة سدير على رصد الأهلة، إلى جانب المرصد الحديث في برج الساعة بمكة المكرمة، وتُربط هذه المراصد بالبث المرئي المباشر مع المحكمة العليا أثناء انعقاد الجلسة عند بدء عملية الرصد والترائي بينما يقوم الفريق المختص بإعداد التقارير الخاصة بأحوال القمر.
وتتابع المحكمة العليا رصد الأهلة تقنيًّا في أيام الترائي منذ وقت مبكر، وكذلك التقارير الفلكية والحسابية الصادرة من الجهات الحكومية عن ولادة القمر ووقت غروب الشمس والقمر ومكثه ودرجته، والأحوال الجوية في كل منطقة من مناطق الرصد لمعرفة مدى إمكانية الرؤية من عدمها، ولا تقبل شهادة الرائي إلا بعد مناقشته من اللجنة الإشرافية الدائمة لرصد الأهلة بوزارة العدل؛ للتحقق من صحة رؤيته قبيل الإعلان عن رؤية الهلال.

علوم الفلك والفضاء

ويعد قسم علوم الفلك والفضاء بجامعة الملك عبدالعزيز أول قسم من نوعه بالمملكة حيث تم تأسيسه ليكون أحد الأسس المهمة لمواكبة التطورات العلمية والفضائية لبناء أجيال صاعدة يتطلع إليها لتكون حاملة ورائدة لهذا العلم إن شاء الله، وقد بدأت الدراسات الفلكية في الفصل الدراسي الثاني من عام 1396هـ كشعبة ضمن قسم الفيزياء وكانت تمنح البكالوريوس في تخصص فلك منفرد أو فلك فرعي ثم صدر قرار المجلس الأعلى للجامعات بالموافقة على إنشاء قسم العلوم الفلكية قسماً مستقلا ويمنح درجة البكالوريوس في تخصص: فيزياء/فلك، ومنذ عام 1424هـ بدأ القسم في منح درجة الماجستير بينما بدأ برنامج الدكتوراه مع بداية الفصل الأول من العام 1438/1437 هـ.

المجمع الفلكي

وتتمثل المسارات الإستراتيجية للقسم في رفع كفاءة التعليم والتعلم، وتعزيز جودة البحث العلمي؛ انطلاقاً من رؤيته كالأول من نوعه عربياً في أبحاث الفلك والفضاء؛ والذي تتمثل رؤيته في تطوير الجانب التعليمي والبحثي والتثقيفي والتنموي؛ بسعيه في تقديم الثقافة الفلكية للمجتمع، وإعداد الأبحاث العلمية، وتأليف وترجمة الكتب، وإقامة الندوات العلمية وورش العمل، وإقامة الفعاليات الفلكية، ومتابعة ورصد الأحداث والظواهر الفلكية طوال العام، ونشر الثقافة الفلكية عن طريق المحاضرات العلمية والدورات التدريبية، والمشاركة في المؤتمرات المحلية والعالمية، إضافة للمشاركة عالميا في رصد وتسجيل البقع الشمسية ومظاهر النشاط الشمسي.


كما يعمل القسم على تقديم الاستشارات العلمية، والمساعدة في اختيار “التليسكوبات” وأجهزة الرصد الفلكي، والمساهمة في إنشاء المراصد الفلكية ومحطات رصد الأقمار الصناعية؛ حيث يعد مرصد قسم علوم الفلك والفضاء من المراصد العالمية حيث يتم رصد الشمس يومياً ثم ترسل بيانات الأرصاد شهرياً إلى مركز تحليل بيانات التأثيرات الشمسية ” “SIDCفي بلجيكا، إلى جانب أن لدى القسم القبة الفلكية؛ مجهزة بأجهزة حاسوبية وتقنية عالية الأداء لتحاكي الأجرام السماوية الواقعة على صفحة السماء، وذلك عن طريق برامج المحاكاة باستخدام السطح الداخلي للقبة للعرض المرئي، والتي تهدف لتقريب أشكال الأجرام السماوية، وتشجيع الطلاب على التبحر في علوم الفلك والفضاء.

القبة الفلكية

وتحرص هذه القبة الفلكية على دمج التطبيق العملي مع النظري للدراسات الفلكية، والقيام باستخدامات دراسة الكرة والأجرام السماوية بأنواعها من نجوم وكواكب وغيرها، ومحاكاة حركة هذه الأجرام السماوية ودراسة الأحداث المستقبلية الفلكية، وعرض الأفلام التعليمية عن العلوم الفلكية.

هلال شوال
وفي ظل التطور التقني الهائل في مجال استخدامات أجهزة الرصد الإلكترونية يقوم الفلكيون حاليًا عند رصدهم للأهلة باستخدام الحاسب الآلي لتحديد متغيرات كثيرة منها: مواعيد شروق وغروب الشمس والقمر ومواضع الشروق والغروب، والزاوية بين الشمس، وشدة استضاءته، ومسار الهلال في السماء بدقة عالية، وذلك حسب الإحداثيات السماوية، وفقًا لأستاذ علم الفلك في المركز الوطني للفلك والملاحة التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية البروفيسور زكي بن عبدالرحمن المصطفى.
واعتمد تقويم أم القرى في إعداده على تحقيق الشروط العلمية المتوافقة مع الشروط الشرعية بالجمع بين ولادة القمر ومفارقته للشمس، وبرز عدد من المهتمين بعلوم الفلك في عهد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – من طلبة العلم الشرعي مثل: الشيخ حمد بن رميح المولود عام 1263هـ كان مرجعًا لأهل نجد، والشيخ عبدالله الخلفي المولود عام 1300هـ وله مخطوط في علم الفلك، والشيخ صالح بن سحمان المولود عام 1320هـ، وله كتاب بعنوان ” التقويم المبتكر المصفى الأوفى”.

تنظيم علم الفلك

وأكد المؤرخون في الجزيرة العربية أن الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – يُعد المؤسس الأول للفلك على نحو رسمي ومنظم في المملكة حيث أمر يرحمه الله بطبع كتاب “تقويم الأوقات لعرض نجد” وكتاب “تقويم الأوقات لعرض المملكة العربية السعودية”، وهذان الكتابان هما اللبنة الأولى للتقويم في المملكة حيث دمجا بتقويم أم القرى، وصدر أول عدد من التقويم عام 1346هـ.
لكن أقدم المعايير لرصد بدايات الأشهر القمرية تعود إلى البابليين بحسب ما ذُكر في مؤلفات عالم الفلك السعودي البروفيسور حسن باصرة – رحمه الله – ولم يختلف عنهم المعيار الهندي عدا ما تطرقوا فيه إلى أهمية الاعتماد على حجم الهلال.
وكان العالم الخوارزمي (215هـ) من أوائل الفلكيين المسلمين الذي طوروا جداول للتحقق من إمكانية رؤية الهلال إذ وضع بعض القواعد الرياضية لتوقعات الرؤية، ولحقه موسى القرطبي (247هـ) ثم ثابت بن قرّة (288هـ)، والبتاني (317هـ) والبيروني (440هـ)، واستمر الحال في التطور حتى بداية القرن الـ 20 ، حيث استخدم عالم الفلك فثرنهام أرصادًا أخذت في أثينا خلال الأعوام من 1859 – 1880م.

وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم اتسم رصد الأهلة بالعلم والمعرفة وعدم التكلف فمن رأى الهلال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان الرائي عدلاً فإنه يُعتد بشهادته في إثبات دخول الشهر، ويشترط شاهدان عدلان فأكثر لإثبات دخول الشهر ما عدا دخول شهر رمضان حيث يكتفي بشهادة شاهد واحد عدل، وما زال المسلمون على ذلك في ترائي الأهلة حتى وقتنا الحالي.

إقرأ المزيد