أمير الرياض يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان وزارة الصناعة تُطلق برنامج التدريب التعاوني للطلاب الجامعيين جامعة الحدود الشمالية تُعلن عن وظائف أكاديمية شاغرة لجنة البنوك السعودية الإعلامية: احذروا منتحلي المؤسسات الخيرية والشخصيات الاعتبارية وكالة الأنباء السعودية توقّع مذكرة تفاهم مع “نوفا” الإيطالية لأول مرة من 13 عامًا.. جنبلاط في قصر الشعب بدمشق منصة مساند: 4 خطوات لنقل خدمات العمالة المنزلية حساب المواطن: 3 خطوات لتغيير رقم الجوال العالمي يزيد الراجحي يسيطر على جولات بطولة السعودية تويوتا ويتوج باللقب للمرة الرابعة زلزال بقوة 5.3 درجات يضرب جنوب إفريقيا
في ٢٤ من فبراير عام ٢٠٢٢، اندلعت الحرب بين أوكرانيا، وروسيا، واختلطت أوراق السياسة الدولية، وارتفعت أسعار النفط بشكل جنوني، وصعق العالم، واختلط الحابل بالنابل وعادت ملامح الحرب الباردة بقوة وتغيرت المعادلات الجيوستراتيجية وطفقت أوروبا تستجدي، عندما بلغت الأزمة الأوكرانية نقطة الغليان في العام المنقضي.
السعودية راقبت الحرب الأوكرانية الروسية منذ اندلاعها عن كثب، بكثير من الحكنة والحكمة وتماهت مع مقررات الشرعية الدولية وفي نفس الوقت مضت وفق معادلة “العلاقات مع الجميع” مع اتخاذ خطوات نحو الاستقلالية الدبلوماسية وتناغمت مع البعد الإنساني للأزمة الأوكرانية بتقديم الدعم الإغاثي للشعب الأوكراني، مستمرة بعلاقاتها مع روسيا، رغم المطالبات الأمريكية المتتالية، بالابتعاد عن روسيا ولم تلتزم السعودية بخط المواجهة معها، بل فتحت باب التوسط بين طرفي النزاع حتى باتت القوى العظمى في حاجة ماسة إليها للمساعدة، على إنهاء حرب عالمية خطرة على الكون والحجر والبشر.
وحافظت السعودية على خطوط وسلاسل إمدادات التواصل مع جميع الأطراف، بروية وبعد نظر مع جميع الأطراف القريبة والبعيدة عن اللازمة، وسارعت إلى فهم حقيقة الحرب ودهاليزها وأروقتها، بالمفهوم الجيوسياسي، وتحركت بهدوء بعد ما نجحت في تصفير أزمات المنطقة وإنهاء للأزمة مع إيران وسوريا وحلحلة الوضع في اليمن وتعظيم الشراكات في المحيط الإقليمي وتحديداً مع تركيا.
وانتظرت السعودية اللحظة التاريخية للحراك الدبلوماسي، وقررت استضافة اجتماع مستشاري الأمن الوطني في عدد من الدول الشقيقة والصديقة بشأن الأزمة الأوكرانية البوم السبت، وهو ما جسَّد مكانة المملكة وما تحظى به من تقدير على المستوى الدولي كون السعودية تحصد اليوم نتائج سياساتها الحصيفة للحيلولة دون إطالة زمن الحرب في أوكرانيا كون الجميع خاسراً في هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس.
وعندما انخرطت السعودية في مبادرة إعادة العلاقات مع إيران، برعاية الصين، ظهرت المملكة في صورة قوة تنافسية جديدة أمام العالم، ومن دون أن تتراجع عن حماية أمنها القومي والأمن الإقليمي والسلام، بأن تتحول من الصراع المزمن مع إيران إلى شراكة استراتيجية معها، وفق مبدأ وقف التدخلات واحترام الشرعية وسياسة النأي عن دعم المليشيات.
وهذا التموضع السعودي أعطى الرياض دفعة قوية للحصول على ثقة العالم ولعب دور الوسيط الموثوق النزيه بين روسيا وأوكرانيا في محاولة لإيقاف الحرب في أوكرانيا، ومنع امتدادها إلى ساحات أخرى في أوروبا. فالسعودية بنت علاقات متوازنة مع موسكو وكييف؛ فبات أصدقاء السعودية وشركاؤها الاستراتيجيون في العالم يشجعونها للمساعدة في إيجاد حل للصراع في أوكرانيا، حيث تتطلع السعودية أن يسهم هذا الاجتماع في تعزيز الحوار والتعاون من خلال تبادل الآراء والتنسيق والتباحث على المستوى الدولي حول السبل الكفيلة لحل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية والسياسية وبما يعزز السلم والأمن الدوليين، ويجنب العالم المزيد من التداعيات الإنسانية والأمنية والاقتصادية للأزمة.
واليوم تساهم السعودية في صناعة السلام في أحد أكبر الحروب العالمية في العصر الحديث وهي تعلم جيداً صعوبة هذه المهمة، إلا أن إرث السعودية في صناعة السلام وثقة العالم بها يعطيها الدافع للمضي في هذه المشروع، حيث قادت المملكة دول المنطقة نحو تعزيز البدائل الاستراتيجية، من خلال تنويع التحالفات مع أقطاب العالم، دون التخلي عن التحالفات الاستراتيجية مع الحلفاء الدوليين، فضلاً عن تعظيم المصالح السعودية والعربية والإسلامية، مثلما تبحث الدول عن مصالحها، ولها الحق على أن تشكل أولوياتها وعلاقاتها وبلورة مصالحها.
وكان وزير الخارجية السعودي أكد مؤخراً على موقف المملكة بشأن الأزمة في أوكرانيا، والمبني على أسس القانون الدولي ودعمها للجهود الهادفة للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة ويحقق الأمن والاستقرار.
والسعودية عندما تستضيف الاجتماع بحضور مستشاري الأمن الوطني في العالم فهذا يعني تعظيم قيمة الاجتماع والمجتمعين، كون مستشاري الأمن الوطني في العالم هم في الواقع صناع القرار في دولهم والعالم، وهذا يعني أيضاً أن اجتماع جدة هو اجتماع عليه القيادات الأمنية في العالم الذين يديرون مسيرة السلام والأمن الدولي.
وليس هناك رأيان أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لعب دوراً جوهرياً للوصول إلى عقد الاجتماع، استمراراً للمبادرات الإنسانية والجهود التي بذلها والاتصالات التي أجراها سموه مع القيادتين الروسية والأوكرانية منذ الأيام الأولى للأزمة، وإبداء سموه استعداد المملكة للقيام بمساعيها الحميدة للإسهام في الوصول إلى حل يفضي إلى سلام دائم، ودعمها لجميع الجهود والمبادرات الرامية للتخفيف من آثار الأزمة وتداعياتها الإنسانية.
وتتحرك السعودية بثبات على مسار تصفير المشاكل والأزمات وإطفاء الحرائق السياسية في المنطقة والعالم من أجل إعطاء دفعة أقوى لمشاريع واعدة ورؤية طموحة (٢٠٣٠) تراهن عليها لإحداث نقلة نوعية في مختلف المجالات وهو ما يفسر إلى حدّ كبير تعديل بوصلتها صوب مصالحات إقليمية كتلك التي أنهت سنوات من الجمود الدبلوماسية مع إيران وقبلها مع تركيا ثم مؤخراً مع دمشق حيث تجري ترتيبات لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتي البلدين بعد 10 سنوات.
وهذا النهج التصالحي مكن السعودية من الحفاظ على موقعها كلاعب رئيسي في السياسة العالمية.
وتعكس استضافة المملكة للاجتماع دعم قيادتها لجهود المجتمع الدولي الرامية لبحث السبل الكفيلة بحل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية والسياسية التي تضمن إعادة الأمن والاستقرار وتجنب المدنيين التعرض للمزيد من الآثار المدمرة لهذه الحرب، والتخفيف من حدة الآثار الإنسانية الناجمة عنها، والانعكاسات السلبية على أمن الطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد والتوريد.
وتواصل المملكة خلال استضافتها للقمة العربية، دورها الفاعل في حلحلة أزمات ومشكلات المنطقة، في ظل سياستها المتجددة التي تركز كامل اهتمامها على أحداث التنمية الشاملة والمستدامة من خلال تطبيق برامج ومستهدفات رؤية المملكة 2030، كوثيقة وطنية نحو النهضة الشاملة، والتحول إلى مركز إقليمي وعالمي للاقتصاد والاستثمار والطاقة والتصنيع والتكنولوجيا والسياحة والترفيه، بما يعزز من رؤية وسياسة المملكة بشأن «تصفير الأزمات»، ودفع عجلة التعاون الاقتصادي العربي نحو التكامل والتوازن ليجابه الأزمات العالمية من دون الصدام معها.
ونجحت الدبلوماسية السعودية خلال الآونة الأخيرة، في تعظيم العلاقة مع الجانبين التركي والإيراني، على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، بعد سنوات من الملفات الخلافية على وقع أزمات الشرق الأوسط بالغة التعقيد، إذ تتصف المرحلة السعودية الحالية بأنها أكثر ديناميكية بما يتناسب مع التوقيت الحالي بالغ الحساسية مع احتشاد القوى الغربية ضد روسيا، فضلاً عن الانسحابات الأمريكي من العديد من النقاط الجيوسياسية الساخنة والبالغة التعقيد لا سيما أفغانستان وسوريا، بما يؤثر على الفواعل الإقليمية والعالم.
وفيما أكد المراقبون أن اجتماع مستشاري الأمن الوطني هو اجتماع تشاوري يهدف لتبادل الآراء ووجهات النظر بين الدول المشاركة حول سبل حل الأزمة سلمياً، وعلى غرار الاجتماع السابق في كوبنهاجن، فإن طبيعة الاجتماع تقتضي عدم صدور بيان مشترك أو مخرجات معلنة، موضحين أن استضافة المملكة لاجتماع مستشاري الأمن الوطني يأتي إيماناً منها بأن الحوار هو السبيل الوحيد لإيجاد حل سلمي للأزمة الأوكرانية والوصول إلى توافق حول أطر وآليات هذا الحل بما يعزز الأمن والاستقرار العالمي، خصوصاً أن الاجتماع هو امتداد لجهود ولي العهد – في تبني المبادرات الإنسانية تجاه الأزمة الأوكرانية، وبفضل المساعي المستمرة لسموه مع الدول ذات العلاقة، فقد أثمرت وساطة سموه -في الإفراج عن 10 أسرى من مواطني المملكة المغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، ومملكة السويد، وجمهورية كرواتيا.
وتولي قيادة المملكة اهتماماً بالغاً بتبني المبادرات الإنسانية الرامية للتخفيف من التداعيات الإنسانية والأمنية للأزمة الأوكرانية، ومن هذا المنطلق قدمت المملكة حزمة مساعدات إنسانية لأوكرانيا بقيمة 410 ملايين دولار شملت المواد الإغاثية والمشتقات النفطية.
إنهاء الحرب الأوكرانية هو هدف الدول رغم أن المصالح معقدة ومتداخلة، وهناك ضغوط على الحلفاء وأجندات المستفيدين من الحرب والأحلام الأيديولوجية والصناعات العسكرية عند كل الأطراف.
واعتبر محللون غربيون أنه ربما قد تكون هذه المحادثات الأصعب في القرن الـ21 لأن هدفها هو لحماية الكوكب من حرب عالمية كارثية. وهنا التحدي والمسؤولية التي تحملتها السعودية بامتياز، لأنها تحصلت على العالم الثقة الدولي، فرضت الاعتراف الإيجابي بدورها الدولي وباتت السعودية محاطة بشركاء استراتيجيين وباتفاقيات تعاون مع أطراف كانت عدائية يوماً ما، مما أعطى الرياض موقعاً محورياً وأضحت صانع القرار في المسرح العالمي.
التحدي عميق، والمسؤولية تاريخية، فالسعودية سخرت جل جهدها لتوفير الإطار السلمي المطلوب وستؤدي دورها كاملاً غير منقوص، لقد خلفت الحرب عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والملايين من النازحين، في الوقت الذي أثارت أزمات اقتصادية حول العالم.
الآمال معقودة بتوقف آلات الحرب عن دورانها في الساحة الأوكرانية.. وهذا هو الهدف الاستراتيجي النهائي لاجتماع جدة.