تتعامى عمدًا عن الثقافة الإسلامية مقابل المسيحية

العتيبي: فرنسا على أعتاب العودة للقرون الوسطى

الإثنين ٣ يوليو ٢٠٢٣ الساعة ٥:٠٩ مساءً
العتيبي: فرنسا على أعتاب العودة للقرون الوسطى
المواطن - فريق التحرير

أكد الكاتب السعودي عبدالله ناصر العتيبي العلاقة بين الفرنسيين المسيحيين والمسلمين لم تكن على ما يرام خلال السنوات القليلة الماضية مشيرًا إلى أن الحلول السريعة والإجراءات الطارئة التي تقوم بها فرنسا اليوم لن تفلح في حل هذه الأزمة.

التظاهر في فرنسا

وقال العتيبي إن المظاهرات واحتجاجات الشوارع وما يلحقهما من تعطيل للأعمال وتخريب للممتلكات العامة والخاصة أصبحت ممارسة سهلة الحدوث جدًا في فرنسا خلال العقود الأخيرة، مشيرًا إلى أن مواجهة هذه المظاهرات والاحتجاجات من النخب الفرنسية صارت جزءًا من العملية السياسية اليومية.

قانون الانفصالية الإسلاموية

وأضاف: قبل أكثر من سنتين أدخل المشرعون الفرنسيون تحت قبة جمعيتهم العامة مشروع قانون “الانفصالية الإسلاموية»، بهدف صنع أساسات مناسبة لبناء تصور فرنسي عام عن كيفية مواجهة ما يوصف بـ”الإسلام المتشدد” في هذا البلد الأوروبي، الذي تقوم بناءاته الدستورية على علمانية راسخة.

أمضوا الأيام والأسابيع في جولات نقاشية عميقة حول أفضل الطرق للتعامل مع هذا “الزائر” الجديد الذي جاءهم من خارج ثقافتهم ومن خارج دائرة “الهوية الفرنسية الأصلية”.

بعضهم طرح مقترحات أقل تشددًا وأكثر تسامحًا، وبعضهم ذهب بعيدًا في الإقصاء، مثل حزب “التجمع الوطني” الذي دعا إلى سحب جنسية “المواطن الفرنسي”، الذي يُظهر سلوكًا أو تصرفًا يتعارض مع مبادئ العلمانية الفرنسية!

احتواء المهاجرين

والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا، هل فشل أهل البلاد الأصليين في احتواء المهاجرين الجدد؟ أم أن المهاجرين الجدد لم يستطيعوا الاندماج في الثقافة الفرنسية ذات التاريخ الطويل؟ أما السؤال الأكثر وجعًا: لماذا يُعد المسلم في فرنسا مواطنًا طارئًا ومؤقتًا قد تُسحب جنسيته في أي وقت؟ لماذا يتعامل الفرنسيون “أهل البلاد الأصليين” مع المهاجرين الذين يحملون الجنسية الفرنسية، وكأنهم مرتبطون بثقافات ودول أخرى قد تحتويهم بعد طردهم من فرنسا؟

والسؤال الثالث المناسب لهذه المقالة: ما هي مبادئ العلمانية التي من المفترض ألا تصطدم بإيمان المسيحي واليهودي والمسلم؟

العلمانية الفرنسية

وتابع العتيبي: طرح الفرنسيون علمانيتهم المعدلة (اللائكية) عام 1905 بقانون يفصل الكنيسة عن الدولة، ويمنع الأجهزة الحكومية الرسمية من أن تدعم أو تتدخل في “السلوك الديني” للمواطنين. حصل هذا عندما كان “مجموع الشعب العام” يتظلل تحت سحابة دينية واحدة، ويتنفس مرجعية ثقافية واحدة، وينحدر من إثنية واحدة. كان الجميع، خلال العقود العشرة الماضية، مؤمنين ومتحمسين للعلمانية لأنها رفعت عنهم، من جهة، تسلط الكنيسة، ومن جهة أخرى احترمت مسيحيتهم التي إن شاءوا عطلوها، وإن شاءوا بعثوها إلى الوجود، معززة بذلك “الحرية الفردانية”، التي تسم المجتمعات الغربية الحديثة وتميزها عن غيرها.

الصبغة المسيحية للفرنسيين

كانت “الصبغة المسيحية” للفرنسيين، في كلمتين صغيرتين قصيرتين، “معطلة بالتوافق” لا أقل ولا أكثر، إذ لا حاجة لاستحضار الدين والقتال به دفاعًا عن النفس في مجتمع تتشابه مفرداته. كانت الأمور تسير على ما يرام، علمانية ظاهرة، ومواطنون مسيحيون (معطلون إن شاءوا، وظاهرون إن أرادوا)، حتى بدأت المجاميع الإسلامية، وبخاصة من شمال أفريقيا، في القدوم إلى فرنسا والحصول على الجنسية الفرنسية.

مظاهرات فرنسا

 

منذ ذلك الحين، لم يعد الفرنسي كما كان في السابق، فقد تعددت الأسماء والسحنات، وتمايزت الأذواق والنكهات. وما بين العلمانية المشتهاة والواقع على الأرض في العقود الثلاثة الأخيرة، عاد الفرنسيون للاحتماء بمسيحيتهم والقتال بها، في إخلال واضح بمبادئ قانون العام 1905. بل إنهم في لحظة تاريخية فارقة، أصبحوا يفرزون المواطنين بناء على دينهم ما بين فرنسي مؤقت وآخر دائم.

مشكلة فرنسا اليوم

مشكلة فرنسا اليوم تتمثل في أن نخبتها السياسية تتعامى جهلًا أو عمدًا عن إدراك الفرق بين علمانية 1905 المصممة خصيصًا لـ” الشعب المسيحي المتجانس” وواقع 2023 الذي يضم خليطًا من الأديان والإثنيات المختلفة!وبسبب هذا “التعامي المقدس” تُهمش السلطة الغالبة (ابتداءً بالصحافة والجامعات ومراكز الفكر ومروراُ بمؤسسات المجتمع المدني وانتهاءً بالسلطة التنفيذية)، الثقافة الإسلامية وتعزز في مقابلها الثقافة المسيحية، وهذا ما يفجر شوارع الضواحي المهمشة بين حين وآخر لأسباب لا تبدو منطقية في الغالب.

وختم بقوله : فرنسا الآن على مفترق طرق، إما أن تطور علمانيتها لتشمل الجميع، وإما العودة للقرون الوسطى.