نصح الأزواج بالتحلي بالمسامحة وحفظ المعاشرة

خطيب المسجد النبوي: المملكة مضرب المثل في الأمن والتلاحم حول القيادة

الجمعة ٢٤ فبراير ٢٠٢٣ الساعة ٢:٢٨ مساءً
خطيب المسجد النبوي: المملكة مضرب المثل في الأمن والتلاحم حول القيادة
المواطن - واس

تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير عن مخاطر الغضب عند الخصومة, داعياً إلى كظم الغيظ, واجتناب بواعث الغضب, وأن من الحكمة والحلم أن يلزم المرء الصمت, ويعرض عن مناكفة السفهاء والجهّال, فلا يستفزّه قيل وقال.

ووصف الشيخ صلاح البدير في خطبة الجمعة اليوم، الغضب أنه بذر الندامة, ومفتاح كل شر, ومبدأ السيئات, ومركب الخطيات وباعث العداوات ومذكي الخصومات, مبيناً أن من محاسن الشيم وخصال الفضل والكرم كظم الغيظ, ودفع الغضب والكظم.

كظم الغيظ

وأوضح أن الله تعالى أثنى على المتجَرِّعِينَ لِلْغَيْظِ فقال جل وعزّ: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” وقال جل وعزّ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ”.

وبيّن الشيخ صلاح البدير أن الكريم الكظيمُ الصَّفوح أثبت الناس عقلاً وأرجحهم أناة ونبلاً, فعَن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ما تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ مِن جَرْعَةِ غَيْظِ، يَكْظِمُها ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ تعالى» أخرجه أحمد.

وأكمل: والغضب مهدمة والغضب غُول الأحلام والعقول وإذا جاء الغضب تسلط العطب والغضب بذر الندامة ومفتاح كل شر ومبدأ السيئات ومركب الخطيات وباعث العداوات ومذكي الخصومات والمنازعات والدافع إلى الكبائر والموبقات.

وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن من أطاع غضبه أضاع أدبه, وسرعة الغضب من شيم الحمقى خفاف العقول, وإذا غضب الأحمقُ ثَارَ ثَائِرُهُ، وَفَارَ فَائِرُهُ ولكز ولطم, ورمح وجرح, إن كلّمتهُ تنمّر, وإن حركته تفجّر, وإن حاورته تسعّر, وإن خالفته تطاير شَرَارُهُ مِنَ الْغَضَبِ, وتعالى وتكبّر, وذلك دليل جهله وخفة عقله, وضعف بصيرته, وهذا شأن كل غُضْبٍ حَنِقٍ جهول عجول, ترى القلوب منه نافرة، والنفوس له عن بغض أفعاله سافرة.

وذكر أن الشديد ليس الطائش العجول الذي يصرع أقرانه, ويقهر إخوانه, إنما الشديد الحليم الصفوح الذي لا يستفزه قيل ولا قال, ولايستخفّه السفهاء والجهال, عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» متفق عليه.

وعَنِ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ ؟ قُلْنَا: الذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجالُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ. ولَكِنَّهُ الذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ” رواه مسلم، وقَالَ الحَسَنُ: يا بْنَ آدَمَ كُلَّما غَضِبْتَ وثَبَتَ يُوشِكُ أَنْ تَثب وَثْبَةً فَتَقَعَ فِي النَّارِ.

الحلم والعفو

وأضاف فضيلته: والحلم محجزة عن الغيظ والحلم مطيّة وطيئة تبلّغ راكبها قاصية المجد, وتملكه ناصية الحمد, ومن رأى العفْوَ مَغْرماً, والغضب مَغْنَمًا, فقد أساء التقدير, لأن لذة الحلم والعَفْوِ أطْيَبُ مِن لَذَّةِ التَّشفّي، فلذةُ الحلم والعَفْو يَلْحَقُها حمد العاقبة، ولذه التشفي يلحقها ذم الندم، قيل لعمر بن الاهتم: من أشجع الناس؟ قال: من رد جهله حلمه.

وَتابع الشيخ البدير منبهاً من خطر الغضب على المرء أن مِن ثَارَتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ الْغَضَبِ فَقَهَرَهَا بِحِلْمِهِ وغلبها بصبره وصرعها بثباته فقد قهر أقوى أعدائه وشرّ خصومه داعياً إلى اجتناب بواعث الغضب وأسبابه, ومحذراً من الإفراط في المزاح بوصفه مقدمة الغضب, وأن لا يخرج المرء من ترويح القُلُوب إلى تحريك الأحقاد الكمينة بالقذف والغيبة والاستهزاء فذلك استدراج مِن الشَّيْطانِ واخْتِداعٌ مِن الهوى.

وحذّر فضيلته من الخصومة مبيناً أنها تمحق الدين, وتنبت الشحناء في صدور الرجال, ودعا إلى تجنّب الهزُؤ والسُّخْرِيَةَ والتعيير والمماراة, والمخاصَمَة والمجادلة, والمضادة والمخالفة, والمعانَدَة والظلم والغيبة والنَّمِيمَة, والشتم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل, ومنع الحق, والبخس والتطفيف, فإن تلك الأفعال تؤجج بين الناس شراً وحقداً وغضباً وإذا وقع الغضب جالت الفتنة وحضر الشيطان وعميت البصائر وتقطعت حبال الأخوة وأواصر المحبة والقرابة.

حفظ العشرة

وأضاف: ينبغي للزوجين إذا لاحت سحابة نزاع أمامهما أن يقطعا صوت المنازعة بالمسامحة ويحفظا طول العشرة بالمساهلة ولا يسترسلا في الجدال والخصومة, مذكراً من استفزّته طيرة الغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, لأن الغَضَب من إغواء الشَّيطان فمن استعاذ بالله سكن غضبه, وتحلّلت عقده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا غضب أحدكم فقال: أعوذ بالله، سكن غضبه ” أخرجه ابن عَدِي.

واختتم فضيلته الخطبة مذكراً أن الوطن شجرة وارفة وارقة ,ثمرتها الأمن والطمأنينة والسكينة والاستقرار, والمملكة العربية السعودية وطن الإسلام والسلام, فيها مكة المكرمة المشرفة المعظمة المحرمة المبجلة, أثَرُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وإرثه وَدَارُ نبينا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ووطنه, والبلد الأمينُ الآمنُ المأْمُونُ عَلى ما أَوْدَعَ اللهُ تَعالى فِيهِ مِن مَعالم الدِّينِ, وفيها الكعبة المحجوجة المصونة, والمشعر الحرام وعرفات والعرصات المباركات, وفيها المدينة المنورة بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وموضع داره ومهاجره, وموقع محرابه ومنبره, ومكان قبره ومدفنه, وفيها معالمه وأعلامه وآثار الآباء والأجداد, وإرثهم وتراثهم وغراسهم, وطن علت مفاخره ومآثره ومنائره, وسمت مكارمه وفضائله, وطن أسس على التقوى, وعمر بالإسلام وحكم بالشريعة, وزها بالعدل وعلا, بالألفة وانتصر بالحق وبالعزمات الصحاح يشرق صباح الفلاح, ومن لم يقدمه عزمه أخره عجزه.

تأسيس المملكة

وقال فضيلته: قبل ثلاثة قرون أشرق على هذه الأرض المباركة حكم عادل على يد المؤسس الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى, فقاد الناس بالتوحيد والعزم الأكيد, والنظر الحديد من الحرب إلى السلم, ومن الخوف إلى الأمن, ومن الجهل إلى العلم, ومن ذل التفرق والاختلاف إلى عز الوحدة والجماعة والائتلاف, ثم سار في الحكم من بعده أبناؤه وأحفاده, حتى قيض الله إمام المسلمين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود, فظهرت في الحكم حكمته وفي الشورى نظرته, وفي العدل قوته, وفي العطاء رأفته ورحمته, فكان من أعظم الملوك شهامة وصرامة وانقياداً للشرع رحمه الله تعالى, وقد أفاض الله البركة على مملكته ورعيته ثم حمل الراية من بعده أبناؤه البررة الذين ساروا على نهجه, حتى أضحت المملكة مضرب مثل في أمنها ووحدة صفّها, وانتظام شملها واجتماع كلمتها وتلاحم قيادتها وشعبها.