أكد أن الفرص تفوت والأجل موقوت

خطيب المسجد الحرام : عجيب حال من يوقن بالموت ثم ينساه

الجمعة ٢٩ يوليو ٢٠٢٢ الساعة ٢:٣٠ مساءً
خطيب المسجد الحرام : عجيب حال من يوقن بالموت ثم ينساه
المواطن - الرياض

استهل إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح بن حميد خطبة الجمعة اليوم، بالتأكيد على أن محاسبة النفس هي طريق السالكين، والتقوى هي زاد المؤمنين، والعمل الصالح هو رأس مال الفائزين، من حاسب في الدنيا نفسه خف في القيامة حسابه، وصح عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه. ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وأحاطت به خطيئاته وسيئاته.

خطبة الجمعة من المسجد الحرام

وأضاف: وكل عام ينقضي يبعد عن الدنيا والدور، ويقرب من الآخرة والقبور، ويبعد عن التمتع بالأهل، والأولاد، والأموال، ويقرب من الانفراد بالأعمال، فحق على من أراد الخير لنفسه الوقفة الصادقة مع النفس محاسبةً ومساءلةً، فوالله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتجزون بما كنتم تعملون، فجنةُ للمطيعين، ونارُ للعاصين.. إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه.

عمر الشباب وأحوال الغافلين

وتحدث معاليه عن عمر الشباب وأحوال الغافلين فقال: في الشباب من غره شبابه فنسي فقد الأقران، وغفل عن سرعة المفاجآت، وتعلق بالأماني، وما الأماني إلا أوهام الكسالى، وأفكار اللاهين، وما الاعتماد عليها إلا بضائع الحمقى، ورؤوس أموال المفاليس، والتمني والتسويف إضاعة للحاضر والمستقبل.

وفي أهل العلم من جد في التحصيل، ولم يجد في العمل، أعطوا علوماً فصرفوها في المكاثرات والمجادلات، والعلو على الأقران، يخرق دينه من أجل ترقيع دنياه، لا يتحاشى غيبةً، ولا يسلم من حسدٍ.

وفي أهل الدنيا من صرف أمواله في الشهوات والمحرمات، وأشد هؤلاء من كسب مالاً فأدخله النار، وورثه من بعده قوم صالحون عملوا فيه بطاعة الله، فأدخلهم الجنة.

وتابع: عجيب حال من يوقن بالموت ثم ينساه، ويتحقق من الضرر ثم يغشاه، يخشى الناس والله أحق أن يخشاه، يغتر بالصحة وينسى السقم، ويفرح بالعافية ولا يتذكر الألم، يزهو بالشباب ويغفل عن الهرم، يهتم بالعلم ويهمل العمل، يحرص على العاجل ولا يفكر في الآجل، يطولُ عمرهُ وتكثر ذنوبه، يبيض شعره ويظلم قلبه، القلوب المريضة يعز شفاؤها، والعيون التي تكحل بالحرام يقل بكاؤها، وإذا غرقت الجوارح في الشهوات فحق عزاؤها.

التزود للآخرة

وإذا كان الأمر كذلك أيها الأحبة: فعلى صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا سوى الجنة أو النار. ومن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه ما بينه وبين الناس، من صدق في سريرته حسنت علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر الدنيا.

وأكمل خطبته الأولى بالحديث عن المحاسبة الصادقة فقال: والمحاسبة الصادقة ما أورثت عملاً، فعليك يا عبد الله أن تستدرك ما فات بما بقي، فتعيش ساعتك ويومك، ولا تشتغل بندم وتحسر يصرفك عن العمل، واعلم أن من أصلح ما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وبما بقي، والموت يأتيك بغتةً، فأعط كل لحظةٍ حقها، وكل نَفَس قيمته، فالأيام مطايا، والأنفاس خطواتٍ، والصالحات هي رؤوس الأموال، والربح جنات عدنٍ والخسارة نار تلظى، لا يصلاه إلا الأشقى، وأنت حسيبُ نفسك.

تجاهل زخرف الدنيا

وتحدث معاليه في خطبته الثانية عن تجاهل زخرف الدنيا والجد في العمل فقال: إن في قوارع الدهر لعبراً، وإن في حوادث الأيام لمزدجراً، أوقاتٌ تطوى فتخرب عامراً، وتعمر قفراً، تعير مرةً، وتسلب أخرى، فاحذروا زخارفها المضلة، من تكثر منها لم يزدد من الله إلا بعداً.

ومن لم يشغل نفسه بالحق تشاغلت بالباطل، والإناء إن لم تشغله بالماء شغله الهواء، فمن عزم على حفظ ما بقي له من سويعات عمره فلا يصاحب إلا الجادين العاملين، الأخيار النابهين، البررة الصالحين، الذين يحرصون على أوقاتهم أشد من حرص الشحيح على دراهمه ودنانيره.

وقال: جدُّوا في العمل، واعتبروا بما سلف، فالفرص تفوت، والأجل موقوت، والإقامة محدودة، والأيام معدودة، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعملون.

واختتم معاليه خطبته الثانية بالتحذير من الغفلة فقال: الغفلة رأس الخطايا، يقول الحسن رحمه الله: ( الحسنة نور القلب، وقوة في  البدن، والسيئة ظلمة في القلب، ووهن في البدن، وظلم المعصية يطفئ نور الطاعة ).

المسجد الحرام