هل تضحي بكين بواشنطن والدول الأوروبية من أجل موسكو؟

روسيا والصين والقطب الشمالي صراع جديد في الأفق

الأربعاء ١٣ أبريل ٢٠٢٢ الساعة ١١:٥٣ صباحاً
روسيا والصين والقطب الشمالي صراع جديد في الأفق
المواطن- ترجمة: منة الله أشرف

الصين، رغم أنها ليست دولة في القطب الشمالي، إلا أنها مراقبة رسمية في مجلس القطب الشمالي منذ عام 2013، ومن المعروف أن لديها طموحات متزايدة في القطب الشمالي، لكن المجلس بات ضحية مبكرة للصراع الروسي الأوكراني، فقد أصدرت جميع دول القطب الشمالي باستثناء روسيا بيانًا مشتركًا في 3 مارس، أعلنت فيه عزمها على تعليق المشاركة مؤقتًا في جميع اجتماعات المجلس وهيئاته الفرعية.

ولم يعد المجلس الذي كان يميل إلى أن يكون محصنًا من التوترات الجيوسياسية، قادرًا على العمل مع الصراع المستمر.

ماذا يعني تعليق مجلس القطب الشمالي؟

بالنسبة للصين، يلقي الصراع المستمر في أوكرانيا بظلاله على تطلعات الصين في القطب الشمالي، ففي حين أنها ترغب في الحصول على مواصلة تعاونها مع روسيا دون إفساد العلاقات مع دول القطب الشمالي الأخرى، إلا أنه مع تداعيات الصراع، قد تجد الصين نفسها أكثر تقييدًا في متابعة مصالحها في القطب الشمالي، وأبرز تلك المشاريع وأكثرها أهمية طريق الحرير القطبي.

طريق الحرير القطبي:

القطب الشمالي ذو أهمية متزايدة بالنسبة للصين في أبعاد متعددة، والدافع الرئيسي هو الاقتصاد، فتلك المنطقة غنية بالفرص وخاصة تلك المتعلقة باستخراج الموارد الطبيعية والطرق الملاحية، كما أن بكين لديها كذلك اهتمامات بحثية علمية طويلة الأمد، بالإضافة إلى ذلك، سعت الصين إلى تعزيز قدرتها كدولة غير قطبية للمشاركة في الحكم في القطب الشمالي والتأثير فيه.

روسيا والصين والقطب الشمالي صراع جديد في الأفق

روسيا تنظر بريبة لأهداف الصين:

وبحسب موقع war on the rocks، حددت الصين استراتيجية طموحة للقطب الشمالي من خلال مبادرة طريق الحرير القطبي، ولكن روسيا من جهة أخرى، هي التي تحتفظ برأي حاسم حول مدى إمكانية تحقيق أهداف بكين في القطب الشمالي، وروسيا لا تنظر بلطف إلى تلك التطلعات.

وتحظى منطقة القطب الشمالي الروسية بحصة الأسد من الاستثمارات الصينية في المنطقة، لا سيما في البنية التحتية المتعلقة بالملاحة ومشاريع استخراج الموارد، وكذلك أيضًا المشاريع النفطية العملاقة هناك التي تُقدر باستثمارات بمليارات الدولار، كما ركزت أيضًا على البنية التحتية للموانئ على طول طريق بحر الشمال.

روسيا والصين والقطب الشمالي صراع جديد في الأفق

وعلى الرغم من التعاون في مشاريع عملاقة في القطب الشمالي بين البلدين إلا أن موسكو تنظر إلى الوجود الصيني المتزايد بعين الريبة، ذلك لأن روسيا لها أراضي شاسعة وخط ساحلي يزيد طوله عن 20 ألف ميل في الدائرة القطبية الشمالية، وبالتالي فإن لروسيا مصلحة قوية في منع القوى الخارجية من التأثير على شؤون القطب الشمالي، وبالتالي ترى الصين دولة غير مرحب بها، ولذلك نرى بعض التوترات تطفو بين البلدين في بعض الأحيان.

على سبيل المثال، في عام 2012، منعت روسيا سفن الأبحاث الصينية من إجراء عمليات مسح على طول طريق بحر الشمال، وفي عام 2013، عارضت موسكو بإصرار منح الصين صفة مراقب في مجلس القطب الشمالي، وفي عام 2020، ألقت روسيا القبض على رئيس أكاديمية العلوم المدنية في القطب الشمالي في سانت بطرسبرغ بتهمة تمرير معلومات سرية للصين.

ومن الواضح أن بكين تعرف عدم ثقة روسيا بها، لذلك تتجه للتعاون مع دول أخرى في القطب الشمالي مثل ايسلندا والنرويج والسويد وفنلندا، وأي مراقب للتقارير الدولية الأخيرة تدرك جيدًا أن ستكهولم وهلسنكي غيرتا من سياستهما تجاه موسكو 180 درجة بعد الصراع الروسي الأوكراني، ولذلك نرى كيف ألقى الصراع بظلاله على آفاق وتطلعات الصين في القطب الشمالي.

روسيا والصين والقطب الشمالي صراع جديد في الأفق

وفي حين زعمت بكين أنها ستواصل التجارة الطبيعية مع روسيا ورفضت الانضمام إلى العقوبات المالية التي فرضها الغرب على روسيا، لكن واشنطن حذرت بكين بشكل لا لبس فيه من هذا التصرف، وذلك عندما أخبر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الرئيس الصيني، شي جين بينغ، خلال اجتماع افتراضي في 18 مارس أنه ستكون هناك عواقب بالنسبة للصين إذا حاولت مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات.

وبالفعل، التزمت البنوك الصينية الكبيرة المملوكة للدولة بالعقوبات بهدوء لتجنب الإضرار بأعمالها الدولية الأخرى، ومن جهة أخرى، تلتف على تلك التحذيرات عن طريق إنشاء بنك صغير مخصص للتعامل مع التدفقات المالية بين الصين وروسيا لتجنب العقوبات، لكن هل ستخاطر الصين فعلًا بإغضاب الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإرضاء روسيا التي لا تثق بها أساسًا؟

الإجابة المنطقية هي لا، لاسيما وأنها تدرك أن موسكو لا تريد أن يكون لبكين دور متزايد في القطب الشمالي، بحسب موقع war on the rocks.

روسيا والصين والقطب الشمالي صراع جديد في الأفق

ومن المرجح أن الصين لا تزال في طور تقييم تداعيات الصراع في أوكرانيا على مصالحها في القطب الشمالي، وسيكون من المثالي أن تواصل الصين مشاركتها في القطب الشمالي كالمعتاد، لكن عزلة روسيا، فضلًا عن العقوبات الصارم، ألقت الكثير من عدم اليقين بشأن استدامة مشاركة الصين في الاستثمارات القطبية الشمالية متعددة الاتجاهات، ولذلك فهي تسعى جاهدة للسير على خط رفيع بين روسيا ودول القطب الشمالي الأخرى، وستنتهج نهجًا أكثر حذرًا تجاه تعاونها مع موسكو.

بقي أن نعلم كيف سترد موسكو على تلك التطورات الصينية، لاسيما وأن الدولتين من أكبر الدول الاقتصادية والعسكرية في العالم، وبالتأكيد فإن مواجهتهما سويًّا، سواء كانت في الخفاء أو تطورت لتكون حربًا باردة، لن يكون في مصلحة العالم أجمع.