القتل تعزيرًا لـ مواطن لترويجه الحشيش المخدر في مكة المكرمة التدريب التقني يرصد 101 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية اليوم.. بدء تشغيل محطة وزارة المالية على المسار الأخضر بقطار الرياض توأمان سياميان سوريان يصلان السعودية اليوم تمهيدًا لفصلهما أمطار متفرقة اليوم وغدًا.. وموجة شديدة البرودة تلوح بالأفق لوفاة معتمر.. هبوط اضطراري لطائرة جزائرية بمطار القاهرة أمطار رعدية ورياح نشطة على 5 مناطق بالفيديو.. 120 قتيلًا في تحطم طائرة بكوريا الجنوبية ضبط شخصين عبثا بوسائل السلامة في محطة انتظار نقل عام بالرياض يناير من أبرد شهور السنة في السعودية.. أمطار وتقلبات جوية
إننا الآن بالفعل أمام عالَم يتغيَّر، تختلف فيه التحالفات والصداقات والعداوات، في ظل الأزمات الاقتصادية التي تقود القوى العالمية نحو منابع الثروات الطبيعية، خصوصًا ثروات كل من الذهب والألماس والبترول واليورانيوم وحتى المواقع الاستراتيجية، وكلها في قارة إفريقيا وتتركز بمناطق الغرب والساحل.
ولهذا تعمل روسيا مع استمرار حربها في أوكرانيا التي انطلقت شرارتها 24 فبراير الماضي على تعويض تكلفة الحرب الباهظة من خلال وضع يدها على المزيد من ثروات القارة السمراء وتوطيد تعاونها وانتشارها في مالي، خاصةً بواسطة قوات شركة “فاجنر” مع انسحاب فرنسا وتراجع دورها والتي ضغطت على حكومة باماكو دون جدوى، فماذا يحدث في عمق القارة السمراء؟
يقول الباحث بمركز الخليج للدراسات السياسية والاستشارات، محمود رأفت، إن قوات “فاجنر” الروسية كانوا يسيطرون على الثروات في تلك البلدان الإفريقية عبر اتفاقيات سرية مع حكومات هذه الدول أو من خلال مقايضات مع حكومات إفريقية مقابل خدماتها الأمنية وبسط الهيمنة وضمان استقرار الحكم لتلك الحكومات، لكن الجديد هو الهجمات التي شنتها تلك القوات المقربة من وزارة الدفاع الروسية لطرد عمال المناجم من منطقة تعدين عن الذهب بجمهورية إفريقيا الوسطى، تلك العملية التي خلفت وراءها عشرات القتلى من المدنيين وعمال المناجم وأجبرت الآلاف منهم على الفرار عبر الحدود إلى السودان، والهدف واضح وهو الاستيلاء على هذه الثروات الطائلة من الذهب والماس وإرسالها إلى روسيا في ظل الحصار الغربي والعقوبات الخانقة على موسكو.
يضيف محمود رأفت في تصريحات خاصة لـ“المواطن“، أنه مع الأسف هذه حقيقة الصراع الحالي الذي يجري بين روسيا وفرنسا، اليوم، في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهو مرشح للامتداد لبلدان إفريقيا الفرانكوفونية الأخرى، وبدأت بوادر الأمر تلوح بالفعل في تشاد، وهذا الصراع لم يغضب فرنسا فقط وإنما أغضب الدول الغربية قاطبةً بعد ما أدانت 15 دولة غربية انتشار عناصر “فاجنر” الروسية في بلدان إفريقية، كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المجموعة الروسية، لكن كلّ ذلك لن يردع موسكو عن استكمال مخطط نهب الثروات الإفريقية بأي ثمن.
ولطالما اعتبرت فرنسا إفريقيا السمراء “ملعبها الخلفي”، لكن الزمن في مالي وإفريقيا الوسطى وبلدان إفريقية أخرى يتغير، وباريس تصارع الوقت لمنع ذلك، والنخبة الحاكمة في فرنسا تدرك أن نجاح قيادات بعض الدول الإفريقية خصوصًا مالي وإفريقيا الوسطى في الخروج من فلك فرنسا، سيمتد لا محالة لكل بلدان وسط وغرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية في وقت قياسي، وهو ما يعني كارثة اقتصادية لباريس التي قام اقتصادها عبر عقود على نهب ثروات البلدان الإفريقية.
الذاكرة المالية عن الاحتلال الفرنسي لمالي زمن استعمار إفريقيا أو زمن الهيمنة الاقتصادية الحالي، كان لها أكبر الأثر في دعم توجهات الرئيس المالي العقيد هاشمي غويتا نحو روسيا بعد ما تعرّض لحصارٍ من فرنسا لمحاولته الخروج من هيمنتها، حتى إن وزارة الدفاع المالية قالت إن “الرأي العام في مالي يؤيد المزيد من التعاون مع روسيا”.
وهذا ما أكدته مظاهرات الماليين التي شهدت إحراقهم الأعلام الفرنسية وصور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل ورفع بعض المتظاهرين الأعلام الروسية وصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نكاية في فرنسا، والحقيقة أن هذا الصراع الفرنسي-الروسي على ثروات القارة الإفريقية مرشح للاشتعال أكثر في الفترة المقبلة، بعيدًا عن أي تقارب دبلوماسي بين البلدين ولدته رغبة فرنسا في إنهاء الأزمة الأوكرانية وإبطال قوة روسيا العسكرية المزعجة على حدود حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونحن هنا لا نتحدّث عن خلافات اقتصادية بين الدول، بل عن سباق هيمنة تستخدم فيه قوات عسكرية، وهو أمر خطير له عواقب وخيمة على الجميع في إفريقيا والعالم.
تقول الباحثة المتخصصة في الشؤون الإفريقية والمنسق العام لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، الدكتورة نرمين محمد توفيق، إنه رغم الحديث عن أي نوع من التقارب الدبلوماسي بين روسيا وفرنسا خاصة حيال أزمة أوكرانيا، فإنّه هناك حالة من التنافس الشديدة بين موسكو وباريس خاصةً في منطقة غرب إفريقيا.
كما تشهد مالي على وجه التحديد تجسيد لحالة من الصراع الفرنسي الروسي منذ شهور، وتولدت أيضًا رغبة روسية محمومة في تثبيت أوتادها في غرب القارة السمراء حيث منابع الثروات الطبيعية، التي ستنطلق منها الدول المسيطرة لمستقبل الريادة عالميًّا.
وأضافت نيرمين توفيق، في تصريحات خاصة لـ“المواطن“، أن الوجود الروسي كان يسعى لسيطرة اقتصادية في غرب إفريقيا إلا أنّه في السنوات الأخيرة سعى حثيثًا لمد أقدامه عسكريًّا في مناطق الصراعات والثروات الاقتصادية والمناجم، ونفذ ذلك بتوقيع العديد من مبادرات التعاون العسكري وتوريد موسكو أسلحة لأكثر من دولة إفريقية؛ ومنها حكومة باماكو التي تسلمت الأسابيع الأخيرة مروحيتين وجهاز رادار ومعدات عسكرية وذخائر على متن طائرة شحن عسكرية روسية، ولم يتوقّف الأمر عند التعاون العسكري بمرور الوقت، وإنما طمحت “روسيا” لوجود تعاون سياسي وثيق مع حكومات دول غرب إفريقيا كرسالة للعالم أنّها رغم حرب أوكرانيا تستطيع مد أوصالها إلى قلب إفريقيا الغني بالثروات.
تابعت الباحثة المتخصصة في الشأن الإفريقي نيرمين توفيق، قائلة، إن روسيا أجادت في مخاطبة الدول الإفريقية كونها لا تمتلك ماضيًا أو تاريخًا استعماريًّا يكرهه الأفارقة بعكس فرنسا أو بريطانيا، وهذا ما يُفسّر عدم وجود اتجاه سلبي من قبل المواطنين الأفارقة تجاه الوجود الروسي في دولهم، وهذا جسدته لحالة المالية بشكل كبير، خاصّةً أن المواطنين الأفارقة بدأوا في الشعور بحالة سلبية تجاه فرنسا التي دائمًا ما تتعامل مع دول الغرب الإفريقي على أنها لا تزال مستعمرات فرنسية وهو ما لم يعد مقبولًا من شعوب غرب إفريقيا.
أصبح لروسيا نوع من التقارب الكبير مع الحكومة المالية الأخيرة التي وصلت لسُدة الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، وبالطبع هذا أمر لم يلقَ ترحيبًا فرنسيًّا وانتقدت باريس حكومة مالي أكثر من مرة، وهو ما تسبّب في تعكير أجواء العلاقات الفرنسية المالية، وهو ما صبّ في صالح انتعاشة كبيرة للعلاقات بين موسكو وباماكو.
شعرت فرنسا بالغضب من تنامي الدور الروسي في غرب إفريقيا، ولجأت إلى تقليل عدد جنود قوة برخان التي كونتها باريس سابقًا، وبدأت عملها في 1 أغسطس 2014، والهادف لمكافحة التمرد والإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، كما بدأت سحب العديد من الجنود الفرنسيين من قواعد عسكرية في مالي في شهر فبراير الماضي وتقليل الوجود الفرنسي والشركاء الأوروبيين من 5 آلاف عسكري إلى ما بين 2500 و3000 بحلول 2023، وهو أمر أغضب حكومة مالي الذين ترجموه كونه تخلي فرنسي عن بلادهم أمام حرب الحركات والجماعات الإرهابية.
اشتعلت قيادات مالي غضبًا بعد تقليل الوجود الفرنسي والانسحاب بجنودها من 3 قواعد عسكرية، وتصريحات رئيس وزراء مالي شوغل كوكالا مايغا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الماضي، متهمًا باريس بالتخلي عن دعم بلاده أمام حرب المتطرفين والجماعات الإرهابية، بينما زار وزير الدفاع المالي ساديو كامارا روسيا في شهر مارس 2022 مع قيادات عسكرية من بلاده لتوفير معدات عسكرية روسية.
ولا يخفى على المتابعين المزيد من التقارب بين حكومة باماكو الحالية والقيادة الروسية، إذ إن أغلب قادة مالي تدربوا في موسكو، أيضًا جاء سحب فرنسا جنودها من قوة برخان لمحاولة الضغط على باماكو بتقليل تعاونها مع روسيا “عكسيًّا”، وأيضًا بهدف تركيز وجودها في المناطق القريبة من حدود النيجر وبوركينا فاسو، ويبدو أنّه لم يكن إلا رهانًا فرنسيًّا فاشلًا.
وبدأت روسيا تملأ الفراغ الناجم عن الانسحاب الفرنسي من مالي من خلال جنودها وقواتها وانتشار شركة “فاجنر” الروسية الخاصة للأمن رغم عدم اعتراف موسكو بشكل رسمي بأن عمل قوات “فاجنر” في مالي تابع لها، وهي سياسة محنكة تنفي عن موسكو أي مشاكل ناجمة عن وجود “فاجنر” وأيضًا ينسب لها النجاح من وراء الستار، وتضمن بها مزيد من الإحكام والسيطرة في غرب إفريقيا، ويفسر التعاون الوثيق بين روسيا ومالي، أيضًا، أن الأخيرة كانت ضمن 35 دولة امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس الماضي أدان العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
الصراع لن يتوقف على تراجع دور فرنسا بسحب جنودها من مالي وتقدم الدور الروسي الذي لم يتأثّر بالحرب في أوكرانيا، فيما تقدم دور شركة “فاجنر” الروسية للأمن، وانتقل الصراع بين فرنسا وروسيا إلى إفريقيا الوسطى وسيمتد كالنار إلى دول إفريقية جديدة، فطريق الثروات خاصة مناجم الذهب والموارد الطبيعية في غرب إفريقيا لا يزال طويلًا.
ورغم الاتهامات بقيام قوات “فاجنر” الروسية بالسيطرة على مناجم الذهب بالقوة فإن التعاون بين حكومتي موسكو وباماكو لن ينتهي شهر العسل فيه سريعًا لأن قادة باماكو الحاليين تلقوا تدريبات في روسيا، وهو ما يضمن كفة روسية راجحة إلى حد ما في الوقت الحالي، وفي عالم السياسة تختلف المصالح بين الدول تبعًا للمتغيرات، ويبقى دوام الحال من المحال.