سلط عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام للجامعة العربية الأسبق، الضوء على أنباء بدء مناقشة مجلس الأمن، الجهاز الرئيسي في نظام الأمم المتحدة المختص بحفظ السلم والأمن الدوليين، مسألة التوزيع العادل للقاحات كورونا.
وتساءل عمرو موسى في مقاله المنشور اليوم الخميس في صحيفة الشرق الأوسط، “هل هي نقطة البداية في عملية تحديث النظام متعدد الأطراف”؟.
وجاء نص المقال كما يلي:
حملت الأنباء مؤخراً أن مجلس الأمن، الجهاز الرئيسي في نظام الأمم المتحدة المختص بحفظ السلم والأمن الدوليين، بدأ مناقشة مسألة التوزيع العادل للقاحات كورونا، وأن مناقشاته ينتظر أن تتطرق إلى عدد من القضايا ذات العلاقة، يأتي على رأسها مسألة منع أسبقية دول الشمال (الغنية) على دول الجنوب (الفقيرة) في الحصول على اللقاحات، ودور الأمم المتحدة في ذلك.
أطلقت هذه المبادرة، البريطانية الطرح، نقاشاً حول ما إذا كانت موضوعات الصحة العامة والعالمية تدخل في اختصاص مجلس الأمن، كما فتحت الباب لنقاش حول مشروع قرار قدمته بريطانيا، أرجو أن يكون واضحاً في مسألة توزيع اللقاحات من دون تفرقة على مستوى العالم، الذي أصابت دوله ومجتمعاته جائحة كورونا من دون تفرقة أيضاً.
الجدير بالملاحظة هنا أن سفير الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة استبق النقاش الرسمي بتصريح مهم، أكد فيه أن ما لا تريده أوروبا هو نظام توزيع قائم على الأبارتيد، أي على التفرقة العنصرية بين شمال يملك اللقاحات، وجنوب لا يستطيع الحصول عليها. وفي هذا تلامس واضح بين إساءة إدارة موضوع توزيع اللقاحات وآثارها، وبين تهديدات السلم والأمن الدوليين.
وهذا في اعتقادي هو ما قصده السكرتير العام للأمم المتحدة غوتيريش، في تصريحات له أواخر عام 2020. عن ضرورة نظر مجلس الأمن في موضوعات تمثل تهديدات جديدة للسلام والأمن، يأتي على رأسها طبعاً تهديد الأوبئة القاتلة عابرة الحدود والقارات.
أنا من المؤيدين تماماً للمنحى الذي عبّر عنه السكرتير العام، وأضيفت إليه المسائل والتداعيات المتعلقة بتغير المناخ. يتدعم هذا التوجه أكثر وأكثر حين نستذكر قرار مجلس الأمن في يوليو (تموز) الماضي، الذي طالب بوقف الأعمال العدائية في بقاع العالم المختلفة، من أجل الدفع نحو تعاون أكثر فاعلية أمام التهديدات التي يطرحها وباء كورونا.
واضح إذن أن هناك حركة مستجدة تتجه إلى تفعيل دور مجلس الأمن في مواجهة التحديات الجديدة. المهم هنا هو أن ندرس مدى تأثير ذلك في العلاقة بين الوكالات المتخصصة ومجلس الأمن، وفي الموضوع المطروح العلاقة بين المجلس ومنظمة الصحة العالمية. في الواقع لست أرى في ذلك مشكلة حقيقية، فالدوران متكاملان، وليسا متعارضين، دور الوكالة فني تقني متخصص، بينما دور مجلس الأمن سياسي تعبوي أمني، كما ظهر جلياً من قرار مجلس الأمن في الصيف الماضي، مطالباً بوقف العدائيات تمكيناً للتعاون في مواجهة الجائحة… هو إذن دور مساعد للوكالة المتخصصة، بل هو حيوي لنجاحها.
هذه بداية يمكن أن تؤدي إلى إعادة النظر في جدول أعمال مجلس الأمن برمته، وإلى إعادة تعريف تهديد السلم والأمن الدوليين، وهو ما سوف تتبعه بالضرورة إعادة النظر في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي أولوياتها، ثم تتبعه – كما يتوقع البعض – إقامة عملية تشبيك حديثة بين الجهاز السياسي والتنموي للأمم المتحدة، وبين مختلف الوكالات المتخصصة، إذا جرى ذلك بالفعل تكون عملية تحديث القطاع متعدد الأطراف قد بدأت، ولكنني أحذر نفسي والقراء والمتابعين والدارسين من أن الأمر ليس سهلاً، وسوف يتطلب وقتاً، وأن انتقال عملية الإصلاح من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة ليست مسألة أوتوماتيكية، رغم أن المسافة بين القاعتين لا تتجاوز عشرات الأمتار، فإنها يمكن أن تتطلب عدداً من السنين، وهو ما يوجب علينا العمل المشترك لضمان اختصار الوقت وسرعة حركة الإصلاح.
والواقع أن النظام متعدد الأطراف، كما تم التوافق عليه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تأثرت فاعليته بالحرب الباردة، التي كانت الأمم المتحدة أحد ميادينها الرئيسية، وكان الفيتو السوفياتي خلالها والفيتو الأميركي بعدها من المعاول الرئيسية التي أثّرت في فاعلية مجلس الأمن، ولكن يضاف إلى ذلك ما يلي أيضاً:
* إن مردود السنين والعقود من دون تطور حقيقي للنظام متعدد الأطراف تسبب في إصابته بالجمود، ليس فقط في جانبه السياسي، بل إنه هدد أيضاً فاعلية الوكالات المتخصصة (بؤرة النجاح الحقيقية في النظام)، وقد عاصرنا المشكلات التي واجهت منظمة اليونيسكو ومنظمة الصحة العالمية، وغيرهما.
* اهتزاز سياسة الولايات المتحدة إزاء الأمم المتحدة، بل مجمل النظام المتعدد، وهي القوة التي صاغت أسسه وتفاصيله على صورة مؤسساتها المختلفة. فقد كان تعامل إدارة الرئيس ترمب بصفة خاصة صادماً، قارب مستوى الاستغناء، بل الاستهزاء، وبالتالي هدد جدياً فاعلية النظام ومصداقيته، بدلاً من أن يقوده في مواجهة غزوة جائحة خطيرة سريعة الانتشار قادرة على تجاوز الحدود الدولية والجغرافية.
* تميزت العولمة بالديناميكية، بينما أصاب الجمود النظام المتعدد، ممثلاً في الأمم المتحدة، مما أدى إلى انفصام كبير على مستوى الفكر العالمي، والحركة الدولية نحو المستقبل، وهل يمكن لهذه الحركة أن تتم وتتطور وتنجح في إطار نظم العولمة فقط، أم أن الأمر يتطلب – كما أرى – وجوداً فاعلاً ووازناً لنظام الأمم المتحدة شرط تطويره، لما تمثله من تنظيم دولي ومنبر عالمي تشارك فيه الدول الفقيرة بمثل ما تُمثل فيه الدول المتقدمة وتطرح فيه مصالح الطرفين.
* مع كل ذلك، فإن هناك تفاؤلاً يتصاعد في هذا المجال بعد أن تغيرت الإدارة الأميركية، وجاءت إدارة تشعر بمسؤولية الولايات المتحدة عن إصلاح النظام الدولي القائم وإنقاذه من الفشل (العودة إلى اتفاقية المناخ مؤشراً).
* وختاماً، ونحن في معرض الحديث عن إرهاصات صياغة جديدة للنظام الدولي وإصلاحات مهمة تجري دراستها، أرى أهمية أن تعي الدول النامية أن لها دوراً في صياغة النسخة المنقّحة من النظام الدولي والعلاقات الدولية.
ما جرى عام 1945 يجب ألا يتكرر. دول الجنوب هي شريك مهم في مجريات الحياة الدولية والعالمية، ويجب أن ترتفع إلى مستوى التحدي، وأن تنتقل من دور المتلقي والمصفق إلى دور الشريك وصاحب المصلحة. وفي هذا، ربما نحتاج إلى صيغة منقحة أيضاً لمجموعة عدم الانحياز، موديل القرن الحادي والعشرين، وهو ما ينطبق أيضاً على مجموعة الـ77.