خلال زيارة وزير الإعلام لبكين.. شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية شاهد.. عودة النعام لصحراء منطقة تبوك هيئة الطرق: فتح الحركة المرورية على جسر نمران في بيشة الملك سلمان وولي العهد يهنئان ملك بلجيكا برعاية الملك سلمان.. افتتاح منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الـ 11 غدًا عقرب في طرد “شي إن” يدخل فتاة إلى المستشفى نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يرأس وفد السعودية بقمة العشرين في البرازيل السياحة: نسبة إشغال الفنادق في مدينة الرياض تجاوزت 95% منطقة العجائب في جدة .. فعاليات ترفيهية لهواة المغامرة جامعة الملك خالد تحقق مراكز متقدمة في تصنيف شنغهاي العالمي
أصدر معهد رصانة تقريرًا بعنوان “سناب باك: فرص استعادة العقوبات.. وخيارات إيران”، سلط خلالها الضوء على الولايات المتحدة ودوافع تفعيل آلية سناب باك أو آلية العودة التلقائية إلى العقوبات المفروضة على إيران.
وجاء نص التقرير كما يلي:
توجَّه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 20 أغسطس 2020م إلى مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، بناءً على طلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أجل تقديم شكوى رسمية إلى رئيس مجلس الأمن، متّهِمًا إيران بانتهاك الاتفاق النووي لعام 2015م، وذلك في إطار تفعيل آلية سناب باك أو آلية العودة التلقائية إلى العقوبات، المنصوص عليها في القرار 2231.
وقد جاءت هذه الخطوة بعدما أخفقت الولايات المتحدة في تمرير قرار من مجلس الأمن الدولي في 18 أغسطس 2020م، كان يهدف إلى تمديد حظر السلاح المفروض على إيران، والمقرَّر أن ينتهي في 18 أكتوبر 2020م.
لا شكّ أنّ هذا التطوُّر يثير عددًا من التساؤلات الخاصّة بملفّ إيران والتعاطي الدولي معه، أهمّها ماهية آلية سناب باك، والإشكاليات التي تواجه تفعيلها، وفُرص تفعليها، وردود فعل إيران على ذلك؟
وفي إطار الإجابة عن هذه التساؤلات، يمكن التطرُّق إلى العناصر الآتية:
تعني كلمة snapback في اللغة الإنجليزية الارتداد السريع أو المفاجئ، أو العودة إلى وضع سابق، وقد وردت هذه الآلية في البندين 11 و12 من قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي صدر بعد التوصُّل إلى الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران عام 2015م، الذي رُفِعت بموجبه العقوبات التي كانت مفروضة على طهران، وبالتالي هي تعني في هذا المقام «العودة التلقائية إلى العقوبات». ولطالما كانت هذه الآلية مجال فخر إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كونها أعطت الولايات المتحدة حقّ العودة التلقائية لفرض العقوبات على إيران.
وتمنح هذه الآلية أيّ دولة طرف في الاتفاق النووي المُبرَم مع إيران في 2015م الحقّ في أن تلجأ إليها لإعادة فرض العقوبات على إيران، إذ تنُصّ المادة 11 من القرار 2231 على أنّه «في غضون 30 يومًا من تلقِّي إخطار من دولة مشاركة في خطَّة العمل تبلِّغ فيه بمسألة ترى أنّها تشكِّل إخلالًا كبيرًا بالالتزامات المنصوص عليها في خطَّة العمل، سيُصوَّت على مشروع قرار بشأن إعادة العمل بالعقوبات الدولية السابقة، وإذا لم يقدِّم أيّ عضو من أعضاء مجلس الأمن، في غضون 10 أيّام من تاريخ الإخطار المذكور أعلاه، مشروع قرار من ذلك القبيل للتصويت عليه، فسيقدِّم رئيس مجلس الأمن عندئذ مشروع القرار ويطرحه للتصويت في غضون 30 يومًا من تاريخ الإخطار المذكور أعلاه، ويعرب عن اعتزامه أن يأخذ في الحُسبان آراء الدول المعنية بالمسألة، وأيّ رأي بشأن المسألة تُبديه الهيئة الاستشارية المنصوص عليها في خطَّة العمل، في البندين 36 و37».
ورغم أنّ الولايات المتحدة قد انسحبت من الاتفاق النووي في 08 مايو 2018م، لكنّها تسوِّق عددًا من الدفوع القانونية التي تسمح لها بتفعيل الآلية، وأهمّها أنّ نصّ البندين 11 و12 من قرار مجلس الأمن رقم 2231، اللذين يُعطيان المشاركين في خطّة العمل المشتركة ومنهم الولايات المتحدة حقّ استخدام آلية «سناب باك»، وأنّ قرار الولايات المتحدة الصادر في 08 مايو 2018م بوقف أداء الالتزامات التي كانت عليها بموجب خطَّة العمل المشتركة الشاملة، ليس له أيّ تأثير على حقوق والتزامات الولايات المتحدة بموجب القرار 2231، إذ تحتجّ الولايات المتحدة بالفصل بين صفة الدولة «المشاركة» المنصوص عليها في القرار الدولي رقم 2231، وهي دائمة، وبين الانسحاب من الاتفاق، فحقّها كمشارك في القرار شيء موجود بشكل مستقلّ عن خطَّة العمل الشاملة المشتركة.
ويضيف الطرف الأمريكي أنّ منطوق الفقرة ذات الصلة لا يقول إنّ الانسحاب من الاتفاق يفقدها صفة الطرف المشارك. على هذا الأساس، توجَّه بومبيو يومَي 20 و21 أغسطس إلى مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، وسلَّم رسائل إلى كلٍّ من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس مجلس الأمن، أخطرهما فيها بأنّ الولايات المتحدة تشرع في استعادة جميع عقوبات الأمم المتحدة تقريبًا على إيران، التي رُفِعَت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.
ومن خلال نجاح الولايات المتحدة في مسعاها، فإنّه سيُعاد فرض نطاق واسع من عقوبات كانت مفروضة ما قبل توقيع الاتفاق النووي في 2015م، وإعادة الآثار المدمِّرة للقرارات الستّة 1835، 1803، 1929، 1747، 1737، 1669، ومنها حظر بيع السلاح إلى إيران، ونظريًّا سيكون إنفاذ تلك العقوبات القديمة لازمًا على جميع أعضاء الأمم المتحدة.
وتقف خلف مساعي الولايات المتحدة لتفعيل آلية «سناب باك» عدَّة عوامل، أهمّها ما يأتي:
من الناحية النظرية تبدو عملية استعادة العقوبات مسألة إجرائية محدَّدة بمدَّة ثلاثين يومًا، الأمر الذي يمكِّن الولايات المتحدة من تدمير الصفقة النووية، ووضع إيران في ظروف مماثلة للظروف التي سبقت توقيع الاتفاق النووي في 2015م، وذلك تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لكن تواجه المساعي الأمريكية عدَّة إشكاليات، أهمّها:
وقد تنحاز أيّ من الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي إلى الولايات المتحدة في حال وصلت الأمور إلى طريق مسدود، لا سيّما أنّ بومبيو قد صرَّح بأنّ الدول الأوروبية تتّفق مع الولايات المتحدة على خطورة رفع الحظر عن السلاح المفروض على إيران، ولديها موقف مختلف خلف الأبواب المغلقة، وتحسم دعوة أيّ طرف أوروبي لتفعيل آلية فضّ المنازعات الجدل الدائر حاليًّا.
ولا شكّ أن تفعيل «سناب باك» بعودة العقوبات مع نهاية سبتمبر المقبل سوف يثير جدلًا واسعًا داخل أروقة مجلس الأمن، وخلافًا بين القوى المشاركة في الاتفاق، واحتمال وجود حالة غموض حول آليات وكيفية تطبيق العقوبات ومدى التزام كل الأطراف، وقد تصل الخلافات إلى موعد الانتخابات الأمريكية، واحتمال حدوث تغيير في القيادة الأمريكية، بما قد يدفع باتّجاه إعادة النظر في مسألة عودة العقوبات.
يدعم هذا السيناريو كذلك عدم وجود بدائل متاحة لدى الأطراف المعارضة للمبادرة الأمريكية، والرفض الأمريكي لأىّ حلول وسط، بالإضافة إلى التصميم الأمريكي على المُضيّ قُدُمًا في هذا المسار، الذي سيحقِّق رغبة ترامب في إنهاء فاعلية الاتفاق النووي، بجانب وجود ضغوط دولية وإقليمية واسعة النطاق لمعاقبة إيران على تجاوُزاتها النووية، وتطوير برنامج صواريخها الباليستية، وسلوكها المرتبط بالإرهاب على الساحة الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى تنامي المخاوف من سلوك إيران الإقليمي واتّساع دائرة نفوذها، ونهجها في دعم الميليشيات وتعميم الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وهى المشكلات التي قد تتفاقم مع منح إيران الحقّ في شراء الأسلحة وتعزيز قُدراتها العسكرية، وكذلك زيادة فُرص تصدير الأسلحة إلى الميليشيات والجماعات، بما يخلّ بالأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وهذا السيناريو سيكون بمثابة خسارة كبيرة لترامب، وضربة مؤثِّرة لإستراتيجية الضغوط القصوى، وانتقاص من مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، فضلًا عن أنّ خصومه الديمقراطيين سيُوظِّفونها قُبيل الانتخابات لتأكيد فشل سياسات ترامب الخارجية، لكنّه احتمال صعب، إذ ستستخدم الولايات المتحدة مزيجًا من القوّة والقانون لإنفاذ بند واضح في القرار 2231، حتّى لو شكَّكت فيه أطراف الاتفاق الأخرى.
جدير بالذكر أنّ عدم القدرة على استعادة العقوبات تلقائيًّا سيدفع الإدارة الأمريكية إلى استخدام آلية العقوبات لردع أيّ مبيعات أسلحة لإيران، وهي تشمل قانون حظر انتشار الأسلحة بين إيران والعراق، وقانون حظر انتشار الأسلحة الإيرانية وكوريا الشمالية وسوريا (INKSNA)، والأمر التنفيذي رقم 13382، وقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، وتصنيف إيران كدولة راعية للإرهاب، الأمر الذي يوفِّر للرئيس سُلطات لفرض عقوبات على مورِّدي الأسلحة لإيران. وبدلًا من ذلك، قد تحاول الولايات المتحدة إثناء بائعي الأسلحة المحتملين لإيران عن إتمام أيّ مبيعات.
لكن هذا السيناريو يعتمد على مدى قُدرة القوى الدولية على تحدِّي الولايات المتحدة، وإمكانية تقديم مبادرة بديلة يقبل بها جميع الأطراف، يمكن من خلالها تمديد حظر السلاح المفروض على إيران مع الحفاظ على خطَّة العمل المشتركة، فضلًا عن تحمُّل هذه الأطراف تبعات مواقفها، ومواجهة العقوبات الأمريكية في حال السماح لإيران بخرق العقوبات الأُممية، وكذلك تغاضيها عن مواقف القوى الإقليمية الرئيسية الداعمة للإستراتيجية الأمريكية، والرافضة لسلوك إيران، مما قد يخلق أزمة إقليمية قد تمتدّ تداعياتها إقليميًّا ودوليًّا، بما يطال مصالح هذه القوى الدولية نفسها.
أمّا في حال استعادة العقوبات الدولية، وهو السيناريو المُرجَّح، فسيكون الاتفاق النووي قد تعرَّض لانتكاسة كبيرة، وستكون إيران في مواجهة ضغوط دولية واسعة النطاق، إذ لم تعُد الضغوط أمريكية من جانب واحد، ومع هذه التطوُّرات المُحتَملة ستكون هناك عدَّة خيارات أمام إيران، أهمّها تفعيل الأدوات القانونية والدبلوماسية لإحباط مساعي الولايات المتحدة بتفعيل آلية «سناب باك»، والتعاوُن مع الدول الرافضة لسلوك الولايات المتحدة، بالتوازي مع محاولة كسب الوقت والرهان على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2020م، ونجاح الديمقراطي جو بايدن منافس ترامب، وحدوث تغيير في التعاطي الأمريكي مع ملفّ إيران، واحتمال العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي، أو تشجيع القوى المعارضة للولايات المتحدة على الساحة الدولية على عدم التجاوُب مع العقوبات وإفراغها من مضمونها.
وقد تلجأ إيران إلى توظيف بعض أوراقها عبر متابعة برنامجها النووي وفق خططها الخاصّة، وإعادة جميع الأنشطة النووية إلى مستويات ما قبل عام 2015م، وذلك باستخدام أجهزة الطرد المركزي من الجيل IR4 وIR6 وIR8 لأغراض التخصيب. وكذلك الإسراع في عمليات صناعة الوقود النووي، مع احتمال الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق النووي، لكن هذا خيار غير مؤكَّد، نظرًا إلى حاجة إيران إلى الاتفاق في جهودها القانونية والسياسية والدبلوماسية لمواجهة الولايات المتحدة.
لكن مع نجاح ترامب، الذي يقول إنّه سينجح وسيوقِّع اتفاقًا مع إيران في غضون 30 يومًا، فإنّ إيران ستكون في مواجهة ضغوط شديدة الوطأة، وسيكون إصرار النظام على سياسة المواجهة وتحدِّي الضغوط مؤثِّرة، لدرجة احتمال اتجاه النظام نحو الانهيار، إذ أوصلت العقوبات الأمريكية أُحادية الجانب وحدها طهران إلى مرحلة شديدة القسوة، ووضع سياسيّ واقتصاديّ كارثيّ لم تشهده إيران منذ الثورة.
وسيكون الأمر أكثر صعوبة مع تدمير ما تبقَّى من الاتفاق النووي، واستعادة كل العقوبات الدولية وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما قد يدفع النظام نحو خيار حتميّ، وهو التفاوُض والتفاهُم حول اتفاق جديد.