الأم.. روض من الطمأنينة

السبت ١٨ يناير ٢٠٢٠ الساعة ٢:٣٥ مساءً
الأم.. روض من الطمأنينة

في كل يوم أعود فيه إلى المنزل، أهب مسرعًا حتى أتناول الغذاء من يديها فلا شيء يشبه رائحة طعامها، أدخل أبحث عنها في كل مكان، أنادي عليها، ولكن ما من مجيب، حينها تعود إلى غصة قلبي التي لم تتركني منذ أن فارقتني، وقتها أتذكر أن “أمي” لم تعد موجودة في المنزل، فقد اصطفاها الله وتركتني وحيدًا في هذه الدنيا لا أملك سوى الحزن وألم الفراق.

عندما كانت على قيد الحياة لم أكن أعي كما ينبغي لمعنى كيان الأم، ولكني الآن أفهم كل هذا وأتحسر على الأوقات التي كنت لا أحقق رضاها العميق، فالأم صاحبة المجد الأول في كل مجتمع ناجح.

ولم يقل الشاعر حافظ إبراهيم من فراغ:

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ

الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ

الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ

إن الأم تلك الكلمة التي تبدو بسيطة وسلسة في نطقها والتي يبلغ عدد أحرفها ثلاثة أحرف فقط تمنحك مقابلهما كماً هائلاً من العطاء.

فأسمى المعاني التي نتعلمها في حياتنا من الوفاء، التضحية، الحنان، الود وقدرة التحمل نتعلمها من الأم، فمن في حياتنا يعطي ولا ينتظر المقابل غيرها، ومن لديه القدرة على التسامح حتى مع الإساءة إليه مثلها، لذا فإن الحديث عنها وعن أهميتها في المجتمع لا يكفيه الأسطر القليلة في مقالنا هذا وإنما يحتاج إلى مجلدات ولا تكفي حينها أيضًا.

أما عن فقدها سواء في سن صغير أو كبير فهو من أشد الفواجع التي قد تصيب الإنسان في حياته ويظل أثرها النفسي عليه مدى الحياة، ومع فقده يتم غلق باب من أبواب الجنة أمامنا، فيا لصعوبة التخيل أن يفقد الابن لكل المعاني السامية التي سبق وذكرناها دفعة واحدة، ويا لها من ندبة تظل عالقة في القلب مهما مرت الأيام، فهي مصيبة لا يهونها إلا الله عز وجل والإيمان بالقضاء والقدر.

وأما عن برها فهو فرض على الأبناء فالله عز وجل شدد على ضرورة بر الوالدين بصفة عام في الكثير من المواضع والآيات القرآنية، فجاء في الآية الكريمة: “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.

إن الأم روض من الطمأنينة، ورضاها سبب من أسباب الفلاح في الدارين.

إقرأ المزيد