قصة معاناة مُسنة سعودية.. بدأت بالطاعون وانتهت بالوحدة القاتلة

الخميس ١٨ يوليو ٢٠١٩ الساعة ٢:٢٤ مساءً
قصة معاناة مُسنة سعودية.. بدأت بالطاعون وانتهت بالوحدة القاتلة

معاناة أغرب من الخيال، استمرت لسنوات طالت حتى رسمت آثارها على ملامح (ف.د) المسنة التي وصل بها العمر إلى 106 أعوام لتشهد تجاعيدها على ألم الماضي وترقب المستقبل الغامض بعد أن أصبحت وحيدةً دون سَند، بلا زوج أو أبناء، لأنها اختارت العيش بمفردها دون ارتباط أو استقرار يملأ حياتها.

وبكلمات تقطر ألمًا سردت لـ”المواطن” حكايتها، فهي كانت الفتاة الوحيدة بين 5 أبناء لتكبر مرفهة ومدللة ذات الطلبات المجابة دون رفض، ولكن اختار القدر أن تجد نفسها في مواجهة العادات القبلية لترفض ذلك وتعلنها صراحة وتتزوج من رجل آخر من خارج عشيرتها رغماً عن مَن تحدى كبرياءها بعد تجاوزها العقد من عمرها.

بعدها كانت المأساة لعائلتها الفقيرة جداً، حيث أصابهم مرض الطاعون، وتوفي والداها ثم لحق بهما إخوتها واحداً تلو الآخر إلى أن وافتهم المنية جميعاً، لتطاردها مشاعر الذنب ولعنات اللوم لنفسها وكونها تزعم أنها خرجت عن عادات وتقاليد عائلتها، كما أن اللوم لحق بزوجها هو الآخر.

انتقال إلى الرياض:

وشاءت الظروف أن تنتقل (ف.د) للعيش في مدينة الرياض برفقة زوجها؛ ما جعل حياتها نوعاً ما تتغير، حيث عمل بمهنة بسيطة (قهوجي) فتحت له المجال وجعلته مقتدراً نوعاً ما، ولكن حياة المال لم تكفِها سعادة حلمها ومستقبلها التي كانت تحاول صنعه حينما واجهت معاناة أخرى بعقم زوجها، لتتأزم حياتها مرة أخرى بزواجه من أخرى بموافقتها، وذلك على الرغم من أنه ساد العدل بينهما واستمرت حياتها 30 عاماً على نفس المنوال ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

تفاجأت بعد ذلك بإصابة زوجها بهستريا جعلته يطوف ويتحدث بشوارع المدينة يدعي أنه طلقها ولم تعد حلالاً له بغير إدراك أو وعي، لتعود إلى مسقط رأسها وإلى قريتها مكسورة القلب تبحث عن بصيص أمل، ليرعاها ابن جد لها مع زوجته وأبنائه، لتربي هي أبناءهم تعويضاً لحرمان عاشته طوال سنواتها، وخوفاً من أن لا تجد من يكن لها سداً أو سنداً.

رحلة الألم!

لم يبخل عليها ابن جدها وكان يعاملها كوالدته فعوضته حرمان وتربية والديه، وكانت تردد “أبنائي سيقومون برعايتي مثلما رعيتهم”، وبعد أعوام ذهبت إلى قريتها وزارت ابن أخيها الثاني والذي كان لديه تسعة أبناء واعتنت بأبنائه وزوجاته، فكان يصرف على عائلته من الضمان المقدم لها من الحكومة وما يصلها من الجمعيات الخيرية الملتحقة بها.

رعت هذه المسنة أبناءه في ظل تقصير زوجاته تجاه أبنائهن وإهمالهن لها أيضاً، فتدهورت صحتها؛ وكل ذلك في سبيل أن تلقى ابناً باراً تفخر به ولكن لم يشأ أحد الاعتناء بها، بل إنهم أخذوا أموالها وكل ما يخصها وكل ما يصلها من الجمعيات الخيرية، لتدخل المستشفى لأكثر من مرة، ثم أخذوها إلى بيت قريب لعمها، ولكن لم يتحملوا وجود مسنة طغى عليها العمر، لا تعي ما تفعله بل أصبحت تتصرف كالطفل الصغير.

ماتت الإنسانية!

ولم تنتهِ الرحلة المؤلمة، بل انتقلت للعيش مرة أخرى في بيت حفيدة جدها رغم رعايتها واهتمامها لها، فهي تكره ولا تحبذ العيش بعيداً عن قريتها التي كانت منشأً لها وأهلها، لتصبح حالتها يُرثى لها حتى إنها أصبحت تتعرَّض للعنف ممن حولها، وينظر لها البعض باحتقار.

ولا ذنب لها في فَقْد عقلها أو حرق قلبها وهي حية، ليكون الوصف الأمثل لحالة هذه المسنة صاحبة رحلة المعاناة “رحمك الله يا (ف.د) وأنتِ خارج قبرك)!