تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم عن فضل يوم الجمعة, وما خصّه الله لعباده فيه من فضائل وأعمال, والثواب العظيم لمن اغتنم هذا اليوم طاعة لله عزّ وجل.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : يوم الجمعة يوم مبارك, اختاره الله وذكره في كتابه, وسمّيت سورة باسمه دون غيره من الأيام, لا مثل له في أيام الأسبوع فهو أشرفها وأكرمها, قال عليه الصلاة والسلام : “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة” رواه مسلم, وأقسم الله به في كتابه فقال تعالى ” وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ” قال ابن عباس رضي الله عنهما : (الشاهد يوم الجمعة, والمشهود يوم عرفة).
وبيّن فضيلته أن في الجمعة أمر كوني عظيم, ففيه أتمّ الله خلق السماوات والأرض, إذ قال تعالى : ” إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ “, وفي يوم الجمعة شرّف الله لآدم وذريته حدثٌ لا ينسى, قال عليه الصلاة والسلام “فيه – أي يوم الجمعة – خلق آدم, وفيه أدخل الجنة, وفيه أخرج منها” رواه مسلم.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن لفضل هذا اليوم على غيره من الأيام, أكمل الله فيه الدين, وأنزل قوله :” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” فهو يوم شرفت به هذه الأمة, فهدانا الله له وأضل عنه غيرنا, ولاختصاص هذه الأمة به حُسدت عليه حين هداها الله إليه, قال عليه الصلاة والسلام :”وإنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها” رواه أحمد.
وبين أن في الجمعة رفع الدرجات, وتكفير السيئات, قال عليه الصلاة والسلام :”الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, كفارة لما بينهن, ما لم تغش الكبائر” رواه مسلم, وفيه ينعم الله على عباده بفتح أبواب فضله, فلا يرد لهم في زمن منه دعوة, قال عليه الصلاة والسلام : “وإن في الجمعة لساعة, لا يوافقها مسلم, يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه” رواه مسلم , وقال عليه الصلاة والسلام : “فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر” رواه ابو داوود .
وأشار فضيلته إلى أن قيام الساعة أمر مهول يحدث في يوم عظيم, قال عليه الصلاة والسلام :”ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة” رواه مسلم, وفيه يصبح كل ما على الأرض خائفاً يخشى أن تقوم الساعة سوى ابن آدم, قال صلى الله عليه وسلم : “ما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة – أي مستمعة – حتى تطلع الشمس, شفقاً من الساعة إلا ابن آدم” رواه النسائي.
وعدّد الشيخ القاسم فضائل يوم الجمعة, وأنها ممدودة للمؤمنين في الجنة, وأعظم النعيم لهم فيها رؤية ربهم, وفي كل جمعة يتجلى لهم الله تعالى, وهذا هو يوم المزيد, قال تعالى :” لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ”.
وقال : الجمعة يوم عظيم اختص بعبادات ليس في غيرها من الأيام, فمن هديه صلى الله عليه وسلم أن يقرآ في صلاة الفجر (آلم تنزيل) من سورة السجدة, و(هل أتى على الإنسان حين من الدهر .. ) متفق عليه, وقال شيخ الإسلام رحمه الله :”إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها”.
وبيّن فضيلته أن يوم الجمعة يومُ جمال وزينة, فالاغتسال فيه والطيب والسواك له مزيّةُ على غيره, قال صلى الله عليه وسلم :”غسل يوم الجمعة على كل محتلمٍ, وسواكٌ, ويمس من الطيب ما قدر عليه” متفق عليه وكذلك التجمّل بالثياب من تمام الزينة في هذا اليوم.
وأكد أن السعي إلى الجمعة ثوابه مضاعف, كما يستحب التبكير إلى الجمعة لاختصاص التبكير إليها بما لا يختصّ به غيرها, كما أن الملائكة لها شأن عظيم يوم الجمعة على أبواب المساجد, وتحبّ الذكر وتنصت له, وفي هذا اليوم يجتمع المسلمون في مظهر من مظاهر ائتلافهم, فينصتون لمن يذكّرهم بالله ويقربهم منه, وكذلك خطبة الجمعة لها شأن عظيم, ينصت لها الملائكة والمسلمون, ويحرم اشتغال المستمع إليها حتى بلمس الحصى, كما نهى المستمعين إليها بالانشغال بالفعل نهاهم أيضاً عن الحديث ولو بكلمة.
وقال فضيلته إن في خطبة الجمعة توجيهات ومواعظ وتعريف بالله ورسوله, ودين الإسلام أوجب البدار إليها, فمن اشتغل بزينة الدنيا من بيع ونحوه فاته خير كثير, فمن ترك الجمعة تهاوناً طبع الله على قلبه وكان من الغافلين, مشيراً إلى أن للجمعة خصائص على سائر الأيام, وهو منحة من الله لهذه الأمة, وميدان فسيح للتنافس في الأعمال الصالحة, وقال : على المسلم أن يعظمه ويعتزّ به, وأن يتفرّغ فيه للعبادة, ويصون نفسه من كل خطأ وإثم, وإن كان الذنب قبيحاً في كل زمان ومكان ففي هذا اليوم أشدّ إثماً, ومن اغتنم هذا اليوم وفق بفضل الله سائر جمعته