كيف ساهمت أسواق مكة في الحج.. لغوياً وأمنياً واقتصادياً؟

الأحد ١٩ أغسطس ٢٠١٨ الساعة ١١:٤٣ صباحاً
كيف ساهمت أسواق مكة في الحج.. لغوياً وأمنياً واقتصادياً؟

كان للحج فضله العظيم في إثراء اللغة العربية، وارتبط نشوء اللهجة العدنانية بتاريخه، فمنذ استقرت “هاجر” مع ابنها “إسماعيل” في مكة تطورت مكاناً ولغة حتى استقرت على لهجة قريش، التي أصبحت بعد ذلك الحضارة عربية والإسلامية.

واحتضنت مكة منتديات العرب التي يجتمعون فيها ويأتونها من مختلف أرجاء العالم ليسمعوا المواعظ والخطب، ويتبادلوا التجارة والمنافع، منها ما هو ثابت وموسمي ارتبط بالحج ورحلته، كسوق عكاظ، وسوق المجنة، وسوق ذي المجاز، حتى إن قريشاً كانت تقول: (لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج).

ويعد سوق عكاظ أحد أشهر أسواق مكة ولم يكن مقتصراً على فئة معينة فقط، فقد كانت تحضره قريش، وخزاعة، وغطفان، وهوازن، والأحابيش، وطوائف أخرى من العرب يأتون عكاظ من العراق، والبحرين، واليمامة، وعُمان، واليمن وغيرها من الأنحاء.

وكان موقع سوق عكاظ في وادٍ بين الطائف ومكة، وكان وادياً متسعاً وفسيحاً تقيم فيه العديد من القوافل العربية، وتتخذ كل قبيلة فيه مكاناً معيناً لها، وكان لانعقاد السوق في الأشهر الحرم ميزة لضمان شعور رواده بالأمان على أموالهم وممتلكاتهم وأنفسهم.

وامتاز سوق عكاظ بالتنافس الأدبي واللغوي ومن ذلك جاءت تسميته، حيث “يعكظ” نزلاء الوادي بعضهم بعضاً، أي يغلبه ويقهره في التباهي والمفاخر، وكان فيهم محكّمون للفصل بين المتنافسين، طوال عشرين يوماً من ذي القعدة.

وبعد انقضاء عشرين يوماً من ذي القعدة يتجه الناس إلى سوق “مجنة” ليقضوا فيه العشر أيام المتبقية من ذي القعدة إلى أن يروا الهلال.

ويعتبر سوق مجنة لأهل كنانة، حيث يقع في أرضهم، وكان للسوق مكانة واحترام في نظر العرب كما لسوق عكاظ، وذي المجاز.

وخلافاً لسوق عكاظ لم يكن سوق مجنة مكاناً للأدباء والشعراء، ولا مكاناً للبيع والتجارة، وإنما كان منتدىً يجتمع فيه العرب للتنظير الفكري والسياسي، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يذهب إليه لدعوة القبائل العربية للدخول في الإسلام، وفي تخصيص الرسول هذا السوق دون غيره من الأسواق إشارةٌ إلى طبيعة السوق وطبيعة من يرتاده من الناس، ودليل على ما كان فيه من تنظيرٍ دينيٍ وتبادل آراء سياسية.

وحين يدخل ذي الحجة ينتقل الحجاج من سوق مجنة إلى سوق ذي المجاز، الذي يقع على مقربة من عرفات ناحية جبل كبكب، ويُقال إنه كان يُقام بين منى وعرفات، في ديار هذيل، يقيم به الناس حتى اليوم الثامن من ذي الحجة.

وكانت وفود الحجاج من مختلف الأرجاء ترتاد سوق ذي المجاز – حتى التي لم تكن في سابقيه-، وكان يجري فيها ما يجري في بقية الأسواق من تجارة، ورواية الأشعار والتفاخر.