ترقية نظام الترميز الجمركي إلى 12 رقمًا لتعزيز الدقة والربط التقني نتائج السعودية ضد البحرين في كأس الخليج منتخب العراق يعبر اليمن بهدف مركز الملك سلمان للإغاثة يوزع 175 ألف ربطة خبز شمال لبنان المنتخب السعودي لا يخسر في مباراته الافتتاحية بالكويت توضيح من التأمينات بشأن صرف مستحقات الدفعة الواحدة العقيدي أساسيًّا في تشكيل السعودية ضد البحرين الشوكولاتة الساخنة أكثر صحة من خلال استبدال بعض مكوناتها إستاد جابر الأحمد جاهز لمباراة الأخضر والبحرين رينارد يستبعد فراس البريكان من قائمة الأخضر
اعتادوه شهر تراحم وخير، يستبدل حزنهم فرحًا، وتطيب موائدهم بما لذ من المأكولات الشعبية، ويقضونه في سهرات دينية اجتماعية، إلا أنَّ هذا المشهد سُرق منهم في التغريبة السورية.
نعم، قد يبدو المصطلح قاسيًا، لكنّه حقيقي، فبعد التغريبة الفلسطينية، صار لدينا اليوم أيضًا التغريبة السورية، داخل بلادهم وخارجها، هم بين نازحين ومُهجّرين ومهاجرين، يمرُّ عليهم رمضان آخر، دون وطنهم الذي اعتادوه وعاشوا في كنفه أعمارهم، وتداولوا طقوسه لسنين.
رمضان السوريين في المهجر بنكهة الفراق:
من السويد، تحكي بيان خليل، وهي ناشطة حقوقية أخذت حق اللجوء قبل عامين بعد رحلة عذابات وقهر، بدأت باختطاف زوجها ضابط الجيش المنشق، من طرف النظام السوري قبل 6 أعوام، في حوار خاص مع “المواطن“، مبيّنة أنَّ أكثر ما تفتقده في هذه البلاد، بالتزامن مع هذا الشهر الفضيل، هو الألفة الأسرية، والموائد التي كانت عامرة بالرحمة والتراحم، قبل الأطعمة والغذاء.
وبصوت تخنقه الدمعة، تقول بيان: “هنا لا نسمع مدفع الإفطار يضرب، لا نرى حمام الأموي الذي كان يطل عليه بيتنا يرقص في سماء دمشق وقت المغرب، لا نسمع الدروس بعد صلاة العشاء، كل شيء مختلف هنا، حتى الطعام هنا بنكهة مختلفة، نكهة الفقد والوجع، نكهة مرار الفراق الذي تجرّعناه مجبرين”.
وأشارت إلى أنَّه “نعم، قد نجتمع كسوريين كما حدث هذا العام في اليوم الأول من رمضان، ولكنه ليس الاجتماع ذاته والصور تتهافت على أعيننا فتزف إلينا الحنين زفًّا، وتؤرق ضحكاتنا بوجع المفقودين الذين لا نعرف مصائرهم، والشهداء الذين لن يشاركونا رمضان مرّة أخرى، إنها أيام بطعم الحنظل، لا يمكننا التغافل فيها عن ألمنا، وليس لدينا رجاء فيها سوى العودة إلى الوطن”.
موائد خالية من رائحة الأهل:
من جانبه، يصف خالد الملحم، صحافي مقيم في لوس أنجلس منذ 5 أعوام، خلال حديثه إلى “المواطن“، رمضان بأنّه “شهر تلقي المباركة والقلب يعتصر ألمًا، شهر الحلم والدعاء والتفكير بالأهل في الوطن”، ويضيف: “تركت هناك أمي وإخوتي، واليوم لا أعرف كيف أصل إليهم، ولا أعرف ما هو مصيرهم، منذ استشهد أبي في الغوطة الشرقية وتحديدًا في بلدة المليحة، وقد أصرت والدتي على أن أترك البلد وأرحل. ومنذ 3 أعوام فقدت الاتصال بها وبإخوتي ولا أحد يعرف ما هو مصيرهم، كلما ازدادت الغارات على المنطقة، تسارعت دقات قلبي، وتسمّرت عيني بالتلفاز أبحث عنهم بين الناجين أو حتى بين الشهداء، ولكن لا شيء يكفف الدمع أو يشرق بالأمل”.
وقال: “عن أي رمضان نتحدث هنا، رمضان الذي لا أسرة فيه ولا وطن؟ أم رمضان الموائد الخالية من رائحة الأهل، أم رمضان البعيد عن قصص الحكواتي، وصلوات التراويح وجلسات السمر قبل السحور، أو حتى دون مسحراتي يوقظنا على قرع طبله وينادي أسماءنا؟ هنا لا طقوس ولا رمضان، فقط صوم ورجاء وتعلق بالمولى وحده أن نعود يومًا”.
قسموا القمر بسكين وسرقوا نصفيه:
ومن الداخل السوري، يحكي لـ”المواطن“، الأستاذ عدنان فواخرجي أنَّ “رمضان اليوم أصبح وكأنه نمَتْ على أصابع نوافذنا شمس حين جاؤوا قسموا القمر بالسكّين سرقوا النّصفين واستنبتوا على رقاب ستائرنا السكّين”، مشيرًا إلى أنَّ “الأسواق العامرة بكل شيء، صارت حكرًا على أباطرة الحرب، إذ منذ بدء شهر رمضان، ازدانت الأسواق التجارية وانتشرت بسطات المشروبات الرمضانية مثل العرق سوس، والتمر الهندي، والمعجنات بأنواعها، في وقت اكتظت في الأسواق بالمدنيين لقضاء حاجياتهم واختيار ما يلزمهم من فواكه وخضار، إلا أنَّ وجوههم صارت كمن حطّت على رأسه الطير، بعد أن طالعوا الأسعار الفلكية، التي حرمت غالبيّتنا من أن يعيشوا رمضان للعام السابع على التوالي، بصورة ولو شبه طبيعية”.
ويؤكّد عدنان أنَّ “الشارع العام في المناطق المحررة، يترقب بحذر ما سيؤول إليه حال المنطقة عمومًا، في الشمال والجنوب السوري، من تطورات على صعيد الأمن مع استمرار عمليات الاغتيال والتصفية وحالة الخلل الأمني، ووصول المنطقة لمرحلة وقف القصف نهائيًّا مع تسارع وتيرة انتشار القوات التركية في المنطقة الشمالية وتباين الموقف حيال مصير المنطقة الجنوبية، وبدء التصريحات الدولية عن ضرورة التوصل لهدنة”.
ذكريات معذبة تعتلج القلوب:
وبدورها تحكي هند دغمش عن رمضان في بيتها لـ”المواطن“، قائلة: “رمضان اليوم يأتي محملًا بصور الذكريات المعذبة، التي تعتلج قلوب من فقد محب وأخ وابن، وزوجة وأم وأب، بين شهداء بقصف النظام وحلفائه، أو من غيبتهم زنازين السجون عن مشاركتنا مائدة إفطارنا، في سجون النظام وحتى الفصائل”.
وتضيف: “اليوم يغص القلب حسرة وألمًا لفراقهم في هذه الأيام المباركة”، وتضيف متسائلة: “كيف لنا أن نفرح وما زالت القلوب موجوعة؟!”.
استغناء عن فرح رمضان قسرًا:
الحاجة أم علي، تحكي لـ”المواطن” أيضًا عن شهر رمضان، وهي مدرسة رياضيات سابقة، تقول: إن “السوريين أُرغموا على الاستغناء عن طقوس شهر رمضان، فلا وجود لخيارات أخرى، حيث لم يعد شهر رمضان أكثر من طقس عبادة، فطقوس الابتهاج والفرح زالت ورحلت بعيدًا وأصبحت كلها مجرد ذكريات تعيش في داخلنا، حتى إننا نعيش على أمل هذه الذكريات”.
بعيدًا عن أبنائها لا شيء لنا سوى الاتصال بالخالق:
وأعربت أم علي، في حديثها إلى “المواطن“، والتي تعيش في إحدى القرى المجاورة لحلب، وهي من دمشق أصلًا، عن حزنها؛ لكونها تقضي شهر رمضان خارج منزلها، وبعيدًا عن أبنائها الذين يقاتلون في سوريا، متمنية لو أنّها تعود مرّة أخرى إلى بيتها لتناول طعام الإفطار والسحور في منزلها، وسماع أصوات المساجد، التي كانت تصدح بأجمل الأناشيد والابتهالات الرمضانية، التي كانت تبث الحياة في الجسد، مضيفة: “رمضان يمر علنا اليوم رغم صعوبة وقساوة المعيشة، وطول ساعات الصيام، وما يصحبها من جوع وعطش شديدين، إلا أنَّ للشهر الكريم وقعًا خاصًّا في نفوسنا، وبعدًا روحانيًّا واتصالًا مع الخالق، وهذا ما نحتاجه في أيامنا العصيبة”.