السديس: لا منزع لنا عن الاقتداء بمنهج النبي في زمن غربة الإسلام وغلبة الفتن

الجمعة ١٣ أبريل ٢٠١٨ الساعة ٣:١٩ مساءً
السديس: لا منزع لنا عن الاقتداء بمنهج النبي في زمن غربة الإسلام وغلبة الفتن

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله وإصلاح العمل, وقال في مستهل خطبته : ” مَنْ أمعن في مَسَارِحِ النظر، وقَلَّب مَطَارِح الفِكَر، وعَرَضَ على عقله أحوال الزمان، تَمَلَّكَتْهُ الحَيْرَة والذهول، حيث أصبح العالم اليوم في احتراب، وحَبْلُه في اضطراب، وجَفَّتْ فيه الرَّوْحَانية، ومَلَكَتْ عليه أَمْرَهُ المادِّيّة، التي تهدم من قواعد الدين ولا تَبْنِي، وتَرْمِي المقومات الإسلامية في كل يوم بِفَاقِرَةٍ من المسخ الفكري، والنَّغَل القَلْبِيّ، والدَّغَل المَطْوِيِّ، تحت شعارات، بل هي للكفر رايات، وكم فتح سَدَنَتُهَا أبوابًا للشك في وجود خالق الأرض والسماوات، واستحقاقه للعبادة وحده دون سواه.

وأضاف السديس في خطبة الجمعة اليوم : ” لقد تجلَّت عَظَمة الله في مخلوقاته، وحَضَرتْ شَاخِصَةً في بديع مصنوعاته، سَبَّحَت له السماواتُ وأَمْلَاكُهَا، والنُّجُومُ وأفلاكُهَا، والأرضُ وسُكَّانها، والبِحَار وحيتانها، والجبال والشجر والدواب والآكام والرِّمَال، وَكُلُّ رَطْبٍ ويَابِس، وكل حي وميت, فتأملوا مخلوقات الله وتفكروا فيها، فدلائله لا نُحْصِيهَا. وتابع معاليه قائلا ” تتضاءل المعارف والعلوم أمام العلم بأشرفِ معلوم: ألا وهو العلم بالله سبحانه وتعالى ؛ لذا أمر نبيه بقوله: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾، قال الإمام الطبري رحمه الله :” فاعلم يا مُحَمَّد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهية، ويجوز لك وللخلق عبادته، إلا الله الذي هو خالق الخلق، ومالك كل شيء، يدين له بالربوبية كل ما دونه”, فأفضل ما عَرَفَ العبادُ: ربهم وخالقهم وبارئهم سبحانه، وما يستحقه من صفات الكمال ونعوتِ الجلال والجمال، إذ شَرَفُ العلم بِشَرَفِ المعلوم، لذلك كان العلم بالله أشرفَ العلم على الإطلاق.
وبين السديس أن من الحقائق الصادحة، والمُسَلَّمات الواضحة، أن أعظمَ مَنْ عَبَدَ الله وعَظَّمَهُ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت حياته أمْثَل حياةٍ وأزكاها: اكتَنَزَت الصِّدق، والشَّرفَ، والنَّزاهة، وعظمة النَّفس، وسُمُوَّ الروح، وأصول الفضائل وهذه الأخلاق التي تَمَثّلَهَا تعليماً وهدَاية، وتربية ليس لها نهاية؛ والمُشِفَّةِ عن جمال ذاته، ولألاء جوهره، قد عاشها – بأبي هو وأمِّي – في أطوار حياته، ومِحَنِه وابْتِلاءاته، وظهوره وانْتِصَاراته: عَاشها داعياً وواعظاً، ورسولاً وقائداً، ومُحَارباً ومُعَاهِدًا، ومُسَالِماً وقاضياً، زوجاً وأبًا، ولكن دُون أنْ يُنْقِضَ من حقُوقِها وواجِبَاتِها شَرْوى نَقِير.
وفي ختام خطبته أكد معاليه أنه لا منزع لنا من إعزاز منهج الاقتداء والاهتداء بهدي سيد الأنبياء، لنتخذ منه شِرعة ومنهاجًا، وتِريَاقاً لأدوائنا وعلاجا، ونبراسا لدروب حياتنا وهَّاجا، لنبلغ أعلى منازل العِز ونَصْعَدْ، ونُفلح في أُولانا وأُخرانا ونَسْعَدْ، في زمن غربة الإسلام وغلبة الفتن المعاصرة، وهوس الانطراح في فُسْطَاطِ الخُرَافات ورِوَاق المُحْدَثَات، واختزالٍ للدِّين في أيامٍ وليالٍ ومناسبات، وتعدد الرايات والمذاهب، والشعارات والمشارب. (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ).