شهد عام 1945م (1364هـ) هبوط طائرة مدنية من طراز (داكوتا دي سي3) في مدينة جدة، وكانت تلك الطائرة هدية من الرئيس الأميركي روزفلت للملك عبد العزيز آل سعود – طيب الله ثراه- على إثر لقائهما التاريخي على إحدى البوارج الأميركية في البحيرات المرة.
انطلاقة مبكرة
واعتبر أغلب المؤرخين الراصدين لحركة الطيران المدني في المملكة أن ذلك التاريخ هو الانطلاقة الحقيقية للطيران المدني في المملكة، وإدراكًا من الملك المؤسس عبدالعزيز المعروف بفكره الثاقب واستشرافه للمستقبل أن توحيد بلد تزيد مساحته عن المليوني كيلو متر مربع وتشكل الصحاري والجبال 95% من مساحة أراضيه أمر يتطلب وسائل مواصلات حديثة وسريعة تربط مختلف أرجاء البلاد المترامية الأطراف بعضها ببعض ومن ثم بالعالم الخارجي.
وقد اهتم المؤسس بالطيران المدني كعنصر مهم وأساسي لمستلزمات النهضة في بلاده الفتية، فوضع اللبنات الأولى لقطاع الطيران المدني، حيث أهدى طائرته الخاصة المهداة له من الرئيس الأميركي إلى شعب المملكة والتي بدأت برحلات داخلية بين الرياض وجدة والظهران، وبعد أشهر قليلة أمر جلالته بشراء طائرتين من نفس الطراز، وشكلت الطائرات الثلاث النواة الأولى للطيران المدني في البلاد، وتم تأسست إدارة باسم (شعبة الطيران) تشرف على الشؤون الفنية، أما الشؤون الإدارية فتأسس لها إدارة باسم (إدارة طائرات الخطوط الجوية).
تنظيم الطيران
وفي عام 1946م صدرت أول أنظمة للطيران المدني (نظام تعريفة رسوم المطارات ونظام الهبوط وعبور الطائرات ونظام إنشاء المطارات ونظام الملاحة الجوية)، وفي عام 1948م تأسست (مصلحة الطيران المدني) لتضم كلاً من إدارة الطيران المدني والخطوط السعودية، وفي عام 1953م أُقر نظام الطيران المدني الشامل بما يتفق مع القواعد المقررة دولياً، وفي عام 1959م الموافق 1379هـ تم فصل الخطوط السعودية عن الطيران المدني ليصبح المسمى الجديد للأخيرة (مديرية الطيران المدني)، وفي عام 1977م الموافق 1397هـ تم تغيير مسمى (مديرية الطيران المدني) إلى (رئاسة الطيران المدني).
وبموجب قرار مجلس الوزراء رقم (13) والذي صدر في السابع عشر من شهر محرم من عام (1425هـ) (2004م) تحولت رئاسة الطيران المدني إلى هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري لتعمل وفق أسس ومعايير تجارية، بهدف تحرير قطاع الطيران بالمملكة وتطويره، وتحقيق الاكتفاء الذاتي المالي، وذلك بالاعتماد على عوائده الذاتية، وليصبح مسماها الجديد (الهيئة العامة للطيران المدني)، وفي عام 1432هـ (2011م) صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ/230 وتاريخ 9/12/1432هـ والذي قضى بفصل الهيئة العامة للطيران المدني عن وزارة الدفاع وإعادة رسم هيكلتها ليمنحها ذلك المزيد من الاستقلالية وليمكنها من العمل على تطوير صناعة النقل الجوي في المملكة.
وواصلت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظ الله- دعمها اللامحدود للطيران المدني وتطويره، وفي 30/7/1437هـ ( 2016م) صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ/133 والذي قضى في مادته رقم (23) بربط الهيئة العامة للطيران المدني بوزير النقل، وفي 8/9/1437هـ الموافق 13/6/2016م أقر مجلس الوزراء ترتيبات تتعلق بتفعيل دور الهيئة العامة للطيران المدني كجهة تشريعية مستقلة وذلك بالفصل التام بين مسؤولياتها من جهة ومجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية من جهة أخرى.
وفي 11/4/1438هـ صدر المرسوم الملكي الكريم رقم (17049) الذي قضى بفصل الجانب التشريعي عن الجانب التشغيلي في الهيئة العامة للطيران المدني، بغية تمكينها من تعميق دورها كمشرع ومنظم لصناعة النقل الجوي في المملكةِ، ومن ثم الوقوف على مسافةٍ واحدةٍ من كافةِ المشغلين والعاملين في هذا القطاع.
تاريخ مطارات المملكة
ويعتبر تحديد تواريخ إنشاء المطارات المدنية في المملكة، أمرًا اختلف فيه المعنيون بتاريخ الطيران المدني فمنهم من اعتبر تاريخ إنشاء المطار، عندما اقتصر الأمر على مدرج أو مهبط ترابي، ومنهم من ربط تاريخ الإنشاء بتاريخ تسيير أول رحلات منتظمة من وإلى المطار، وفريق ذهب ليربط تاريخ الإنشاء بتاريخ إنشاء منشآت ومرافق للمطار، ولكنه من الثابت أن عام 1352هـ (1934م) شهد أول مدرج ترابي للطائرات المدنية في المملكة وقد أنشأته أرامكو على رقعة من الأرض الصحراوية بالقرب من الجبيل.
وقد خصص المدرج لهبوط وإقلاع الطائرات العاملة في مجال التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية، كما أنه من الثابت أن كلاً من مدينة جدة والمدينة المنورة استقبلتا عبر مطارات متواضعة جداً أولى رحلات جوية مدنية لنقل الحجاج وكان ذلك في عام 1355هـ (1937م) وقد نظمتها آنذاك الخطوط المصرية.