مشاعل خياط تروي لـ”المواطن” تفاصيل إنقاذها حياة عنصري إيرلندي

الثلاثاء ٢٥ يوليو ٢٠١٧ الساعة ١٢:٤٤ مساءً
مشاعل خياط تروي لـ”المواطن” تفاصيل إنقاذها حياة عنصري إيرلندي

آمنت بأثر الفراشة، فكانت ذات بصمة خاصّة حيثما حلّت، من سدني إلى دبلن، غيّرت الصورة النمطية عن المرأة المسلمة في العالم الغربي، وحوّلت شعار “العفو عند المقدرة” إلى واقع وحقيقة، مقدّمة درسًا في التسامح الإسلامي.

هي ليست مجرّد زوجة وأم ومبتعثة، بل حاملة لرسالة النور، ومربّية، ومحاربة للعنصرية في بلد غريب، بالصبر والعلم والعقل، تسعى إلى الكشف عن حقيقة المرأة المسلمة، وما تعيشه من يقين، لتغيّر الصورة النمطية التي اكتسبت عنها في الغرب، من اضطهاد وظلم وإحباط.

الدكتورة مشاعل خياط، المبتعثة من جامعة الملك عبدالعزيز إلى دبلن في إيرلندا، تعود بإذن الله قريبًا إلى جدة، لتمارس حياتها وتحمل رسالتها تجاه الوطن، بعدما حملت راية المرأة المسلمة لاسيّما السعودية عاليًا، ليس فقط في مجال ابتعاثها، بل على المستوى المجتمعي أيضًا، على الرغم من تعرّضها لحادث عنصريّ وهي على متن حافلة النقل العام قبل عام ونيّف، إلا أنّها حوّلت السلبية إلى إيجابية، ورسمت دربًا من نور لمن ستلحق بها في تلك البلاد الباردة.

العفو عند المقدرة:

وكشفت الدكتورة مشاعل خياط، في حديث خاص إلى صحيفة “المواطن“، عن آخر تفاصيل ما تعرّضت له من حادث عنصري، مبيّنة أنَّها رفضت تدمير مستقبل المعتدي، وآثرت التسامح، والعفو عنه، في اللحظة الحاسمة، بعدما كاد القضاء أن يحكم عليه بالسجن، وينهي آماله المهنية بهذا الحكم، راسمة بذلك صورة مشرقة للإسلام.

سرُّ النجاح:

وأكّدت مشاعل أنّه “كوني زوجة وموظفة وأُماً وطالبة، واجهت العديد من الضغوط، التي كادت أن تعرقل مسيرتي، لكن توفيق الله لي ثم دعاء الوالدين حفظهم الله، كان قارب النجاة لي”، مشدّدة على ضرورة أن يدرك كل شاب أو شابة مقبلين على الابتعاث، أن الأمر مليء بالمصاعب والتحديات، والإصرار على الاستمرار وعدم التراجع، مهم لتحقيق الأهداف.

وأضافت “أنا دائمًا أبدأ بالاستخارة، ثم السعي للنجاح، لأن التوكل مطلوب، ويجب الحذر من التواكل، فتركيبة النجاح في نظري تتكون من الإيمان وحسن الظن بالله، ورضا الوالدين، والصدقة والدعاء والتحصين واحتساب الأجر، وحسن الخلق، والاجتهاد، وتنظيم الوقت والتركيز على الأولويات، وأخيرًا التفاؤل”.

أثر الفراشة:

وأشارت مشاعل، إلى أنَّ “قراءة كتاب أو اختيار صديق يمكن أن يؤثر على الحياة بشكل جذري، فمبدأ تأثير الفراشة، مبدأ مهم جدًا بالنسبة لأسلوب حياتي، لأن أي شيء بسيط يمكن أن يغير أشياء كثيرة، وهو الحال الذي اكتشفته في مراحل ابتعاثي المتعددة، وتيقّنت منه أخيرًا بعد التحوّل الجذري في مسار الحرب ضد العنصرية، بنشر قيم الإسلام الإيجابية.

لمحات من رحلتها، التي بدأتها في العام 2008م، تكشفها الدكتورة مشاعل لـ “المواطن” في حوار حصري، بداية من انتقالها للعيش في أستراليا، لدراسة اللغة والماجستير من جامعة “new south wales university” في سدني، حيث تبرّعت لتولي تدريس أبناء الجالية المسلمة هناك، أصول الدين، واللغة العربية، ونجحت في إعداد أنشطة عدة، ما ترك بصمة جميلة لدى البراعم.

وأردفت “سبحان الله بعد رحيلنا من أستراليا بـ 4 أعوام، تواصلت معي إحدى الصديقات، بأنَّ حلقات الذكر التي كنت أنظّمها للجاليات هناك، استمرت بعد أن حذت حذوي أخت أخرى من ليبيا الشقيقة”.

وبيّنت مشاعل  “عدت إلى المملكة عام 2010، وعملت بجامعة الملك عبدالعزيز، حتى تم ابتعاثي عام 2012، إلى دبلن في إيرلندا، وفي ذلك العام انشغلت بالدراسة كثيرًا ولم يكن لدي صديقات في دبلن، إلا أنّني بعدما أتممت السنة التحضيرية للدكتوراه أصبح لدي الوقت لأتعلم قيادة السيارة، وحصلت على الرخصة الإيرلندية، وأصبحت أمًا وطالبة وسائقاً، لانشغال زوجي بدراسة الدكتوراه، إذ إنَّ دراسته في الجانب الطبي، الذي يتطلب التواجد في المعمل طوال اليوم، مع عدم التقليل من فضله وجهوده معي ومساندتي في كل خطوة أخطوها بارك الله فيه”.

واستطردت “كوّنت صداقات عديدة، وكثرت النقاشات عن الدين الإسلامي، وحتى أستطيع الإجابة، بدأت في تثقيف نفسي عن كيفية الدعوة الإسلامية باللغة الإنجليزية، لاسيّما أنَّ مصطلحات لغتي الإنجليزية تكاد تنحصر في مجالي (علوم الحاسبات)”.

الدعوة إلى الإسلام:

وأوضحت مشاعل لـ”المواطن“، أنَّ جهودها في التعريف بالدين الإسلامي الحنيف، تكلّلت ولله الحمد، بإسلام إحدى زميلاتي الإيرلنديات، لقد كان ذلك كان أفضل يوم في حياتي، لقوله صلى الله عليه وسلم (لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم).

وأشارت إلى أنَّ “آخر إنجاز لي في مدرسة شمال دبلن الإسلامية، كان عمل المسابقة الأولى والثانية لحفظ آيات قرآنية ومعلومات عن الوضوء والصلاة، التي تبنيتها في كل المراحل، باستثناء التقييم”، مؤكّدة أنّها تلقّت ردود فعل إيجابية، ونجحت في تحفيز الأطفال، فيما أكّد أولياء الأمور سعيهم إلى أن تستمر هذه المسابقة في المدرسة الإسلامية بدبلن، لما لها من أثر كبير في نفوس الأبناء، وارتباطهم بجذورهم.

رحلة التسامح:

واستغلّت مشاعل، تسليط الضوء عليها إعلاميًا، إثر تعرّضها لاعتداء عنصري على متن حافلة في دبلن، لتبدأ رحلة التوعية بتميّز المرأة المسلمة، ما مكنها من استثمار سلبية ما تعرّضت له بطريقة إيجابية، عبر التوسّع في توضيح حقيقة الإسلام، وكرامة المرأة المسلمة، وحقوقها التي كفلها الدين لها، واستطاعت أن ترفع صوتها عاليًا، وتوجه خطابها بصورة واسعة للمجتمع الإيرلندي، عبر محطات محلّية عدة، أبرزها اللقاء مع (راي دارسي)، في الـ (آر. تي. إي.)، فضلاً عن حوارها مع “The Pat Kenny Show on Newstalk”.

وفي شأن أبرز الأسئلة التي طرحت عليها، أوضحت مشاعل، أنَّ “الحجاب كان السؤال الأكثر طرحًا، ولطالما سعيت لترسيخ معلومة أنَّ الحجاب هو هوية المرأة المسلمة، واحترام لتعاليم القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، واقتداء بأمّهات المؤمنين ونساء المسلمين الأولين، إذ لا يوجد عذر أو عائق يحول دون المرأة المسلمة وإظهار هويّتها قلبًا وقالبًا”.

وأردفت “هوية المرأة المسلمة ليست فقط بحجابها، بل أيضًا بسلوكها وأخلاقها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من خياركم أحسنكم خلقًا)، فالمسلم بأخلاقه يمكن أن يكون داعية للإسلام، دون أن يتكلم بكلمة، فالناس أسرع تأثراً بالأفعال منهم بالأقوال، وفي هذا ما يبين عظمة الأخلاق في الإسلام”.

وبيّنت أنّها، وعلى مدار عام ونصف، تمكّنت من تغير الصورة النمطية، مكلّلة جهودها، بالصفح عن المعتدي عليها، قبل أن يصدر حكم القضاء بحقه، ويزج به خلف القضبان لارتكابه جريمة عنصرية.

مشاعل الأم والطالبة:

تخرجت مشاعل في جامعة الملك عبدالعزيز عام 2004، وأنجبت ابنتها لمار، خلال دراستها الجامعية، مؤكّدة أنّها “تعبت كثيرًا من السهر ورعاية ابنتي، وعمل مشروع التخرج، ولكن على الرغم من ذلك حصلت على مرتبة الشرف الثانية والحمد لله”.

وأردفت “درست الماجستير في نظم المعلومات التطبيقية من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وأنجبت ابنتي الثانية ريم، ولكن للأسف لم تتم معادلة شهادتي من وزارة التعليم، لأنني درست في جدة، وليس في مقر الأكاديمية في الإسكندرية”.

وتابعت “عملت في مركز المشاعل، ثم شركة الزاهد، كمبرمجة، ثم حصلت على فرصة القبول في بعثات خادم الحرمين الشريفين، ولكن العقبة آنذاك هي إقناع زوجي بالخروج خارج الوطن، إلا أنَّ إرادة الله يسّرت كل شيء، وها أنا قد تخرّجت اليوم بعد ابتعاثي الأول إلى سدني، حاملة شهادة الدكتوراه من دبلن”.

براعمنا في المهجر:

وأكّدت مشاعل، في حديثها إلى “المواطن“، أنَّه “تابعت البرنامج الذي أطلقته في أستراليا، في أكثر من مدرسة، عقب انتقالي إلى إيرلندا، ونظّمت مسابقة لحفظ آية (الكرسي)، التي نجح فيها تقريبًا 98% من الطلاب، بفضل المولى، فضلاً عن المكتبة التي تم إنشاؤها بفكرتي كعضو في مجلس الآباء في مدرسة (نورث دبلن مسلم ناشونال سكول)، والتي ستكون رافدًا مهمًا في صياغة عقول الأطفال، وتمكينهم من الدين الإسلامي الحنيف، ليكونوا مشاعل الهدى في مجتمعاتهم إن عادوا إلى بلادهم، أو في أي مجتمع ينتقلون للعيش فيه”.

على المستوى العلمي:

نشرت مشاعل بحثًا علميًا في مجلة “إنفورميشن بوليتي”، في شأن البيانات الحكومية المفتوحة، تحت عنوان “open data more than meets ‎the eyes‏”، والتي تعتبر ناجحة في الهدف والمحتوى. كما شاركت في مؤتمرين دوليين في ألمانيا وفرنسا، عن البيانات الحكومية المفتوحة. وحصلت على أربع مكافآت تميّز على الرغم من كونها أمًا وزوجة وطالبة.

نصيحة للمغتربين:

بخطى واثقة تواصل مشاعل مسيرة نجاحها العلمي والأسري، كاشفة أنّها كلما وجدت صعوبة في حياتها تذكرت قوله تعالى “إن مع العسر يسرا”. ووجّهت نصيحة للطالبات المبتعثات، والمسلمين أن “واصلوا وستجنون الثمار”.

وتضيف “عن نفسي أبتعد عن الاجتماعات الترفيهية، التي لا فائدة منها، لذا أيَّ اجتماع أحضره أسعى ليتحول إلى مجلس ذكر وعلم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لزيادة التوعية الدينية، ولافتقادنا في الغربة لمجالس الذكر التي اعتدنا عليها في بلادنا”، مبرزة أنَّ “العلم هو جزء من الدين”.

وقالت: “أتمنى للجميع التوفيق، لاسيّما طلبة العلم سهل الله دروبهم لما فيه الخير”، ناصحة المبتعثين في دبلن بتسجيل أبنائهم في إحدى المدرستين الإسلاميتين، لأنها فرصة عظيمة غير متاحة في الكثير من الدول الأخرى.

وأردفت “أحب أن أذكر إخوتي بأنَّ الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ونحن محظوظون بديننا العظيم”.

رسالة مشاعل عبر “المواطن”:

واختتمت الدكتورة مشاعل خياط، حديثها إلى صحيفة “المواطن“، قائلة “أود أن أحمد وأشكر الله، أن أتم علي نعمته بإكمال دراستي في الخارج، والتي بدأت منذ العام 2008، ثم أشكر والدي ووالدتي حفظهما الله، وإخوتي وزوجي وابنتي”.

وأعربت عن شكرها لوزارة التعليم، وجامعة الملك عبدالعزيز، والسفارة السعودية لدى دبلن، والملحقية الثقافية، وأخص بالشكر والدعاء إلى عمي سليمان خياط وصديقتي لبنى غزنوي ـ رحمهما الله ـ على مساندتهما لها، وكل من ساندها ودعا لها في ظهر الغيب، قائلة: “أنا لا شيء بدون كل من ساهم ولو بشيء بسيط في نجاحي والحمد لله”.

وأكّدت الدكتورة مشاعل، أنّها ستستمر في دعم البراعم في دبلن، لاسيّما عبر المكتبة الإسلامية في المدرسة.

وقالت: “في النهاية أشكر كل من ترك لي بصمة في حياتي، وأشكر صحيفة “المواطن” على كل الاهتمام”.

إقرأ المزيد