الحرم المكي .. أعظم صرح إسلامي في عيون ملوك السعودية وقلوب المسلمين

الخميس ١٥ يونيو ٢٠١٧ الساعة ٤:٠٩ صباحاً
الحرم المكي .. أعظم صرح إسلامي في عيون ملوك السعودية وقلوب المسلمين

شهد الحرم المكي الشريف، أطهر بقاع الأرض، على مدار التاريخ العديد من التوسعات، بدأت في عهد الخلفاء الراشدين، ولا تزال مستمرة حتى وقتنا الراهن، آخرها تلك التي رفعت طاقته الاستيعابية لأكثر من 2 مليون مصلٍّ للفرض الواحد، و100 ألف طائف بالكعبة في الساعة الواحدة.

مشاريع تاريخيّة واكبت التطور التقني والإنساني:

ولا تزال المملكة العربية السعوديّة، تولي اهتمامًا خاصًّا بمشاريع توسعة الحرم، لاستيعاب أعداد الحجاج والمعتمرين المتزايدة، ومواكبة التطور التقني، منذ أن بدأها الملك عبدالعزيز، الذي شهد عهده صيانة المسجد وإصلاحه بالكامل عام 1344هـ، وقبلها ترميم الأسقف وطلاء الجدران والأعمدة عام 1334هـ. كما تم تجديد مصابيح الإنارة وزيادتها إلى الألف مصباح عام 1347هـ، وإنارة المسجد الحرام بالكهرباء وتنصيب المراوح الكهربائية عام 1373هـ.

وفي الوقت الذي وصلت فيه مساحة المسجد إلى 28 ألف متر مربع، جاء الملك سعود بن عبدالعزيز ليستمر في أعمال التوسعة التي بدأت عام 1375هـ، واستمرت نحو 10 أعوام، وشملت فتح شارع خلف الصفا، وإعادة تصميم أرض المسعى، وبناء طابقين للمسعى، وبناء سقيا زمزم.

وشهد عهد الملك سعود توسعة المطاف، وزيادة قبو زمزم بصنابير المياه، واستبدال الشمعدانات الست بحجر إسماعيل بخمس نحاسية تضاء بالكهرباء.

وفي عام 1377هـ، أعيد ترميم سقف الكعبة، واستبدلت بسقف جديد. وتم إنشاء سلم كهربائي متحرك مغلفًا بالفضة ومنقوشًا بالذهب.

التوسعة الأكبر للحرم المكيّ:

وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، تم وضع حجر الأساس لمشروع “أكبر توسعة للمسجد الحرام منذ 14 قرنًا”، الذي بدأ عام 1409هـ، وشمل إضافة مساحة جديدة إلى الناحية الغربية للمسجد، وإضافة مبنى جديد إلى الحرم لاستقبال الزيادات في الحج ومواسم العمرة.

وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، شملت التوسعة إضافة جزء جديد إلى المسجد من الناحية الغربية، والاستفادة من السطح العلوي للمسجد، والذي وصلت مساحته إلى 61 ألف م2، ليستوعب عددًا أكبر من المصلين، بإجمالي مليون ونصف المليون مصلٍّ.

كذلك تم بناء مئذنتين جديدتين ليصبح إجمالي عدد المآذن في وقتها 9 مآذن، بارتفاع 89 مترًا للمئذنة. كما اشتملت التوسعة على إضافة مبنى جديد إلى الحرم، يتكون من ثلاثة أدوار، فضلًا عن تهيئة السطح استقبال الزيادات في الحج ومواسم العمرة.

وكان الدور الأرضي بمساحة 18 ألف م2، بارتفاع 4 أمتار، والدور الأول بمساحة 20 ألف م2، بارتفاع 9 أمتار، ودور أول علوي بمساحة 189 ألف م2، بارتفاع 9 أمتار.

وتم تزويد مبنى التوسعة بنظام تكييف، وأنشئت محطة تبريد مركزية لتلطيف الجو بالماء المبرد على بعد 450 مترًا في منطقة أجياد ولا يؤثر في راحة وسلامة المصلين، وتتكون من ستة طوابق وتحتوي على أحدث الأجهزة (وحدات معالجة ومكينات سحب وضخ) وترتبط المحطة بالتوسعة بنفق تمتد داخله أنابيب الدفع السحب للمياه بقطر 1100 ملم في الاتجاهين.

وشملت التوسعة تجهيز الساحات الخارجية، ومنها الساحة المتبقية من جهة السوق الصغير، والساحة الواقعة شرق المسعى بمساحة إجمالية تبلغ (85.800) م2 تكفي لاستيعاب (195.000) مصلٍّ.

وتصبح بذلك مساحة المسجد الحرام شاملة مبنى المسجد بعد توسعته، والسطح، وكامل الساحات (356.000) م2 تتسع لحوالي (773.000) مصلٍّ في الأيام العادية، أما في أوقات الحج، والعمرة، ورمضان فيزيد استيعاب الحرم ليصل إلى أكثر من مليون مصلٍّ.

ثلاث مراحل أخرى:

وفي عهد المغفور له الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، جرى اعتماد توسيع الحرم المكي على ثلاث مراحل، تشمل اتساع ساحات الحرم لمليوني مصلٍّ، وتوسعة صحن المطاف، والساحات الخارجية، ومنطقة الخدمات والتكييف ومحطات الكهرباء والمياه، والتي تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات، وتتألف من خمسة مشاريع، تشمل مبنى التوسعة والساحات والأنفاق ومبنى الخدمات، والطريق الدائري الأول.

ويتضمن المشروع إنشاء 78 بابًا أوتوماتيكيًّا، يتم إغلاقها بالتحكم عن بعد، وتحيط بالحرم في الدور الأرضي فقط.

وستؤمن التوسعة منظومة متكاملة من عناصر الحركة الرأسية، حيث تشمل سلالم متحركة وثابتة ومصاعد، قد روعي فيها أدق معايير الاستدامة من خلال توفير استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، بحيث تم اعتماد أفضل أنظمة التكييف والإضاءة التي تراعي ذلك، وستستوعب التوسعة بعد اكتمالها أكثر من مليون مصلٍّ في أوقات الذروة.

ومن بين أبرز أجزاء المشروع، التوسعة الشامية على مسافة 200 متر من مركز الكعبة المشرفة ناحية الشمال الغربي، وبعمق يصل إلى نحو 485 مترًا، بما يضيف مساحات جديدة تستوعب التوسعة بعد اكتمالها أكثر من مليون مصلٍّ.

وستشمل التوسعة محطة خدمات متكاملة، يجري تنفيذها على مساحة 75 ألف متر مربع، تشمل أنظمة التكييف المتقدمة الصديقة للبيئة، وخزانات المياه، وأنظمة التخلص من النفايات، وأنظمة الكنس المركزي، كما ستشمل التوسعة تنفيذ ما يزيد على 12.500 دورة مياه، سيتم توزيعها بطريقة تخدم جميع المستخدمين، مع سهولة الوصول إليها من كل المواقع.

نبضة تاريخيّة:

بدأت أولى عمليات التوسعة في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، في عام 17هـ، حيث قام الخليفة بتوسعة مساحة المسجد لتبلغ 260 مترًا مربعًا، بعدما اشترى بعض البيوت القريبة من الحرم، فيما تبرع آخرون بالبعض الآخر ثم هدمها، وأحاط المسجد بجدار قصير.

وتوسّعت مساحة المسجد أكثر، إلى ما يقرب من 4390 مترًا مربعًا، في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان، الذي سار على خطى أمير المؤمنين عمر، واشترى البيوت التي ظلت قريبة من الحرم وهدمها، وأدخل الأعمدة الرخامية إلى المسجد، وذلك عام 26هـ.

وشهدت الدولة الأموية، توسيع الحرم على مرحلتين، أولاهما على يد الصحابي عبدالله بن الزبير عام 60هـ، إذ أعاد بناء الكعبة إثر حريق شب في ثوب الكعبة وخشبها، بينما كانت التوسعة الثانية في عهد الأمويين والرابعة في التاريخ الإسلامي على يد الوليد بن عبدالملك، عام 91هـ، مستغلًّا تسبب سيل جارف في زيادة مساحة المسجد، كما زاد من الأعمدة التي جلبها من مصر وسوريا، وشيد شرفات يستظل بها المصلون.

أما في عهد الدولة العباسية، تمّت توسعة الحرم على ثلاث مراحل؛ الأولى على يد أبي جعفر المنصور، واستمرت ثلاث سنوات، بدأت من 137 إلى 140هـ، وقد زيدت فيها مساحة الركن الشمالي للحرم، فضلًا عن تغطية فوهة بئر زمزم، وإعادة تصميم حجر إسماعيل بالرخام. وجاء المعتضد بالله في المرحلة الثانية للتوسعة التي استغرقت ثلاث سنوات أيضًا، من عام 281 إلى 284هـ، لينشئ عددًا من الأبواب داخل وخارج الحرم المكي، كما زاد الأعمدة. وخلال المرحلة الثالثة أنشأ المقتدر بالله “باب إبراهيم” ليزيد من مساحة المسجد عام 306هـ.

إقرأ المزيد