الموسى يكتب عن البيروقراطية وكيف أجهضت أحلام المواطنين وآمالهم

الثلاثاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ١٠:٠٥ صباحاً
الموسى يكتب عن البيروقراطية وكيف أجهضت أحلام المواطنين وآمالهم

المواطن – الرياض

البيروقراطية داء المؤسسات الحكومية العضال، ينخر في أوصالها، ليعصف بكل الأخلاق والقيم والإنسانية، في عالم من المفترض أنه المآل والمأوى للمواطن البسيط للبحث عن حقوقه.

وعن البيروقراطية وسلبياتها ومآسيها كتب علي سعد الموسى مقالاً بصحيفة الوطن تحت عنوان “عذراً أخي: نعم بعت قلمي” عدد فيه أوجه الظلم والضيم التي يعانيها بعض المواطنين بسبب تلك البيروقراطية، وإلى نص المقال:

لم أشعر في حياتي من قبل بلذة الغبن وشهد عسل قلة الحيلة مثلما شعرت به ظهر الأمس وأنا أغادر بوابة المبنى الحكومي قابضاً على سراب أستحقه بالفعل. أنا، صاحب الاسم الثلاثي بعاليه، مواطن أخف من وزن الريشة في مطالباتي وأوراقي مع الجهاز الحكومي العام.

لا أتذكر أبداً أنني تقدمت بمعروض من قبل أو دخلت دائرة من أجل معاملة إلا ما كان من تجديد بطاقاتي الشخصية وأوراق عمالتي المنزلية. ورغم الهزيمة الكاملة بالأمس إلا أنني أشعر بلذة الانتصار المكتمل لأنها هزيمة دفعتني إلى طابور البؤساء والبسطاء وإلى معاناة الذين يلتحفون تراب هذه الأرض وهم يشحذون توقيعاً أو بصمة موافقة على حقوقهم المشروعة الخاصة. تذكرت ظهر الأمس كل هذه المشاهد فيما يلي:

تذكرت وجه تلك العجوز الطاعنة لا في السن فحسب، بل أيضاً في يأس الحياة، وهي تجلس القرفصاء في شمس القيظ أمام بوابة الضمان الاجتماعي. باعت أغنامها لجهل في النظام، خوفاً من أن يراها باحث الضمان ثم يبصم بالرفض. عجوز لا حيلة لديها سوى أن تفحص أوجه الموظفين وهم يغادرون الدوام ثم تسمع من الطارف: أزعجتينا يا خالة.

تذكرت قوام تلك الأرملة التي لا زالت تشحذ البلدية لفسح إيصال سلك الكهرباء إلى منزلها الشعبي المتواضع فلا تسمع من كارتيل البيروقراطيين سوى التعاميم المحنطة عن مخالفة النظام في قرية لم تعرف من خدمات “المجان” والبلاش سوى أشعة الشمس، التي ربما كانت اليوم هي الوحيدة من الخدمات التي لا تعرف المعروض والثمن.

تذكرت أحلام البنات اليتامى الأربع قبل سنين بدخول أخيهن الأصغر إلى كلية الطب في أروع استثمار للأحلام التي تبخرت لأن نسبة من الكراسي لا بد أن تبقى للذوات والأعيان فكيف ينافس “الخبز الحافي” مع أكلة كعك “البوقيه” بالملاعق الفضية. مات أخوان العبقري قبل أشهر “وكيل رقيب” في مطاردة للمخدرات: حتى الرصاصة الغادرة تعرف أين تذهب.

تذكرت ظهر الأمس تلك الأسرة التهامية التي لا حيلة لها سوى كرم الدموع حول ما يشبه الجثة لوالدهم الشاب الذي يعاني نوبات اختلال في فيزياء القلب وكهربته ولا زال يحتفظ بموعده في “التخصصي” بعد أشهر، بينما طائرات الإخلاء الطبي وأسِرة الطوارئ مشغولة بقلوب أصحاب العيون الزرقاء الذين تفتح لهم لمجرد قياس النبض وأحمال الجهد، ولعيونهم حين يغشى الماء الأبيض على اللون الأزرق.

تذكرت بالأمس طوابير الطلاب على شبابيك الجامعات بعد اختصار الأحلام إلى التحويل من شعبة إلى شعبة، مثلما عرفت لماذا تلفظ هذه الجامعات ثلث الطلاب بعد أول سنة. عرفت بالأمس فقط كيف يستطيع المواطن البسيط مقابلة أمير المنطقة في ديوانه اليومي المفتوح ولكنه لا يستطيع على النقيض أن يقابل موظفاً صغيراً في إدارة حكومية إلا باجتياز ثلاثة أبواب موصدة.

عرفت بالأمس فقط أنني بعت قلمي وضميري في عدة مقالات من أجل النفاق والتلميع والطبطبة التي صادرت صوت الناس الحقيقي وآلامهم ومعاناتهم في حياتهم اليومية.

تذكرت بالأمس كم هي مقالاتي التي سبحت عكس الحق والحقيقة وقد لا يكفي الاعتذار أو الاعتراف أنها كانت ضميراً منفصلاً لا علاقة له بالمتصل. عرفت بالأمس فقط كيف يولد الإنسان هنا بظهر ولسان وعماد فقري ثم تحوله أرتال البيروقراطية إلى سمكة ضعيفة من فصيلة “الرخويات” التي تعيش بلا عظم. عرفت كيف نحن مجرد بحيرة اصطناعية لصراع أسماك “البانويا” مع وحوش القرش.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
  • عكاش ابوعجره

    لنا الله

  • طالب الحاجات

    الشكوى لله معانتي بنقل ابنتي من مدرسه المدرسه للعلم سعودي والله لي معانات كل عام اذهب المكتب الجنوب ويضردوني وهي أبسط طلب الى الله المشتكى

إقرأ المزيد