في نفس توقيت الكلمة التاريخية والحاسمة لولي العهد، صاحب السمو الملكي محمد بن نايف بن عبدالعزيز، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (الأربعاء 21 سبتمبر)، وجّه 9 من خبراء السياسة الأمريكية، بوصفهم مسؤولون دبلوماسيون، وأمنيون سابقون، خطاباً مفتوحاً للرئيس باراك أوباما وأعضاء الكونجرس، اعتبروا فيه أن قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، المعروف باسم “جاستا”، يقوّض علاقة أمريكا بالسعودية، والعديد من دول الشرق الأوسط والعالم، وسيضر بمصالحها.
وجاء في الخطاب، أنه لا يوجد أي دليل على تورُّط السعودية، بأحداث 11 سبتمبر، التي كانت وراء مشروع ذلك القانون.
فتوى سعودية.. وخوف أمريكي
في الوقت الذي أكد فيه ولي العهد بوضوح، أن هيئة كبار العلماء أفتت بتحريم الإرهاب، وهو يؤصِّل للإطار الفكري والشرعي (القانوني) الرافض لهذه الظاهرة الكونية، كان للخبراء الأمريكيين التسعة رؤيتهم المنطقية في رفض “جاستا” وتعرية منطلقاته، وهم يؤكدون أن له “تأثيرات مزعجة” على مصالح الأمن القومي الأمريكي، وعواقب غير مقصودة تؤثر على علاقات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا ومكانتها في جميع أنحاء العالم.
وقالوا عبر خطابهم بشكل صريح: “إذا ما سمح لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، أن يصبح قانوناً رسمياً، فسيقوّض بشكل تام حمايات الحصانة السياسية، والتي تعتمد عليها الولايات المتحدة وجميع الدول ذات السيادة منذ قرون، كما أن قواتنا ودبلوماسيينا وجميع موظفي الحكومة الأميركية العاملين في الخارج، قد يخضعون لدعاوى قضائية في بلدان أخرى، هذا يجب ألا يحدث”.
حقائق سعودية ضد الإرهاب قبل وبعد 11 سبتمبر
هناك حقائق واضحة لا يُمكن محوها أو تغبيشها، تتعلق بمعاناة السعودية من الإرهاب، أوضحها ولي العهد، في كلمته أمام جمعية الأمم المتحدة، حيث أكد أنها عانت منه قبل نحو 10 سنوات من أحداث 11 سبتمبر في 2001، حينما تعرّضت المملكة منذ عام 1992 إلى أكثر من 100عملية إرهابية، 18 عملية منها نفذتها عناصر مرتبطة تنظيمياً بدولة إقليمية.
وأكّد أيضاً بلغة الأرقام المقنعة، أن أجهزة المملكة الأمنية تمكّنت من الكشف عن 268 عملية إرهابية وإحباطها قبل وقوعها، بما في ذلك عمليات كانت موجهة ضد دول صديقة.
قوة “المناصحة”.. والاتفاقيات الدولية الـ12
وبالاستناد للغة الاتفاقيات الدولية الرافضة لظاهرة الإرهاب، أكد ولي العهد، أن المملكة قامت بإصدار أنظمة وإجراءات وتدابير تجرم الإرهاب وتمويله، وانضمت إلى أكثر من 12 اتفاقية دولية، كما أنها وبالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيطاليا، ترأست مجموعة عمل التحالف لمكافحة تمويل تنظيم “داعش”.
ولم يغفل التنويه بخطوة سعودية رائدة، لمعالجة فكرية للظاهرة الكونية، في إطار تصحيح الفكر المنحرف، من خلال إنشاء مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية،حيث أكد للعالم هنا أن هيئة كبار العلماء في السعودية، أصدرت فتاوى بتحريم الإرهاب وتمويله والانضمام للتنظيمات الإرهابية.
منطق التحالف الإسلامي وفكرة المركز الدولي لرفض “جاستا”
وحتى يضع ولي العهد، العالم في نصاب الحقائق التي أثبتتها المملكة تجاه ظاهرة الإرهاب، اهتم في كلمته أمام جمعية “الأمم”، بدور المملكة في تأسيس التحالف الإسلامي العسكري لمحارية الإرهاب، من خلال تأسيس مركزه في الرياض من قبل 40 دولة إسلامية، حيث قدّمت له المملكة كافة التسهيلات والدعم اللازم، ليقود التحرك الجماعي للدول الأعضاء لمحاربة الإرهاب.
كما أشار إلى دور المملكة في تأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب منذ عام 2003، حيث طالب بمشاركة المجتمع الدولي في دعم المركز وتفعيله، تحت مظلة الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن المملكة قدّمت له دعماً بمبلغ 110 ملايين دولار .
ووفقاً لمنطق التحالف الإسلامي، وفكرة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، أبدى ولي العهد، خلال كلمته، استغراب المملكة والمجتمع الدولي، من إصدار قانون في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يلغي أهم المبادئ التي قام عليها النظام الدولي، وهو مبدأ الحصانة السيادية، وهو يشير إلى قانون “جاستا”؛ ما سيترتب عليه تبعات سلبية بالغة، لن يقبل بها المجتمع الدولي.
من هم الخبراء الأمريكيون التسعة؟
وعقب هذه الجزئية من سرد الحقائق بلغة الأرقام والمنطق والأحداث التاريخية الموثّقة في كلمة ولي العهد، يجب أن نهتم بمعرفة من هم الخبراء الأمريكيون التسعة، الذين وجّهوا خطاباً للرئيس أوباما وأعضاء الكونجرس، وهم يرفضون قانون “جاستا”، ويطالبون بإيقافه فوراً، لأن معرفة الأدوار الأمنية والعسكرية والدبلوماسية التي قدموها لصالح بلادهم، تكفي لمعرفة أهدافهم المنطقية لصالح بلادهم.. إذن الخبراء التسعة هم:
1- وليام إس. كوين، وزير الدفاع السابق.
2- مايكل بي. موكاسي، المدعي العام السابق للولايات المتحدة، وقاضي الصلح السابق لبلاده.
3- ستيفن جاي. هادلي، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جورج دبليو. بوش.
4- مايكل موريل، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) السابق.
5- ريتشارد أي. كلارك، المنسق القومي للأمن وحماية البنية التحتية ومكافحة الإرهاب للولايات المتحدة السابق.
6- راند بيرز، الوزير بالنيابة لجهاز الأمن الداخلي السابق، والمستشار النائب للأمن الداخلي للرئيس باراك أوباما سابقاً.
7- توماس آر. بيكرنج، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية السابق، وسفير المهنة السابق (الأمم المتحدة والاتحاد الروسي والهند وإسرائيل والسلفادور ونيجيريا والأردن).
8- فرانك جي. ويزنر الثاني، وكيل وزارة الدفاع للسياسة السابق، والسفير السابق في الهند والفلبين ومصر وزامبيا.
9- دانييل سي. كورتزر، السفير السابق في إسرائيل ومصر.
لماذا رفضوا قانون “جاستا” بسبب السعودية والخليج؟
بشكل واضح وصريح، كتب هؤلاء الخبراء الأمريكيون التسعة، عبر خطابهم المفتوح، هذا التفنيد الذي يصب في إطار مصالح أمريكا في السعودية والخليج تحديداً؛ حيث كتبوا ما يلي:
“إن سن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، سيقوّض علاقتنا بالتأكيد مع أحد أهم حلفائنا؛ المملكة العربية السعودية، كما سيدمر علاقتنا بكل الشرق الأوسط.
إن تحالفنا الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية قد شكل العنصر الأساسي للعمارة الجيوسياسية في الشرق الأوسط الحديث، فمع مرور الوقت، تطورت المملكة لتصبح أحد أهم شركاء واشنطن الموثوقين في مكافحة الإرهاب على مستوى العالم عالميًا وإقليميًا، بما في ذلك السعي والملاحقة المتواصلة للكيانات الخاصة التي تمول رعاة الإرهاب.
إن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، على حدٍ سواء، يعدون شركاء اقتصاديين أساسيين للولايات المتحدة، إن هذه الشراكة تمتد إلى ما وراء الطاقة وتشمل مئات مليارات الدولارات من الاستثمار في كل من الشرق الأوسط والولايات المتحدة، وسيرسل سن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب إشارة مزعجة للمملكة العربية السعودية وكل منطقة الخليج، أننا لم نعد نقدر العلاقة التي كانت بيننا عبر التاريخ، وسيشجع الحكومات وقطاعاتها الخاصة، على الحصول على علاقات أخرى.
لقد ثبّت السعوديون قيمة الريال للدولار لسنوات بتكلفة كبيرة عليهم، فلقد كانوا وما زالوا مستعدين لدفع مبالغ هائلة لخفض احتياطيات الدولار من أجل تحالفهم مع الولايات المتحدة، ولكن إذا رأوا أننا لم نعد نقدر التحالف بقدر تقديرهم له، فسيستنتجون مباشرة أن ربط الريال بالدولار لم يعد ذا فائدة استراتيجية، ومثل هذا التطور – بالطبع – سيقلل من قيمة الدولار في أسواق العملات العالمية”.
هذا هو الواقع الذي شرّحة الخبراء التسعة، وتزامن مع الكلمة المقنعة والواضحة لولي العهد، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى العالم بأكمله أن يرى الحقائق والوقائع المجردة كما هي دون تزييف.