المواطن – ساجد الشريف – الرياض
قبل ما يتجاوز 7 أشهر ببضعة أيام من الآن، كان الرئيس الصيني شين جين بينغ، في زيارة تاريخية إلى المملكة (19 و20 يناير 2015)، شهدت توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم.
والآن ستشهد زيارة ولي ولي العهد، صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان، التي بدأت إلى بكين، عقد أول اجتماعات اللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين الحكومتين، بحضور نائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ قاو لي، حيث يبدو جلياً أن الصين تتطلع إلى العمل مع المملكة؛ لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وتسهيل التجارة والاستثمار في مجالات متعددة، أبرزها الطاقة النووية والأقمار الصناعية والطاقة الجديدة.
وفي الفترة بين زيارة بينغ للسعودية، والزيارة الحالية لولي ولي العهد، حدث العديد من المستجدات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بين الطرفين وعلى المستوى الدولي أيضاً، ويكفي حدث الإعلان عن رؤية المملكة 2030، في 25 أبريل الماضي، والإعلان قبلها عن تنفيذ جسر الملك سلمان على قناة السويس، ليربط قارات الأرض الثلاث القديمة (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، في 8 أبريل الماضي، ثم زخم ما حدث في زيارتي ولي ولي العهد إلى أمريكا وفرنسا، بين 13 إلى 28 يونيو الماضي، إلى جانب العديد من مستجدات الساحة الشرق أوسطية، ما بين اليمن وسوريا والعراق وتركيا، على وجه الخصوص.
معاني “جسر ورسالة الحرير”
منذ أن أعلنت القيادة السعودية عن تكوين تحالف “عاصفة الحزم” لإعادة الشرعية في اليمن، بطلب من رئيسها الشرعي، (26 مارس 2015)، ثم مفاجأة خبراء الاقتصاد الأمريكي بفتح أسواق التجزئة والجملة السعودية للاستثمار بنسبة 100%، خلال زيارة الملك سلمان إلى واشنطن (4 سبتمبر 2015)، ثم الإعلان عن تكوين التحالف العسكري الإسلامي (15 ديسمبر 2015)، ثم الكشف عن شراكة اقتصادية ضخمة مع الصين، من خلال توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم في الرياض، خلال زيارة الرئيس الصيني للسعودية (20 يناير 2016)، ثم تنفيذ مناورات “رعد الشمال”، كأكبر تمرين عسكري في العالم (26 فبراير إلى 11 مارس 2016)، ثم مفاجأة جسر الملك سلمان (8 أبريل 2016)، ثم اندهاش العالم عن الحراك سريع الإيقاع، ما بين أمريكا وفرنسا مع أصحاب القرار في الدولتين والأمم المتحدة ومدراء الشركات الأكبر في العالم (13 – 28 يونيو 2016)، يتضح للعالم جلياً أن المملكة تسعى لتأكيد حضورها اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً، في المنطقة الشرق أوسطية، وعلى الصعيد الدولي كافة، بكل إنصاف واعتدال.
وهنا تأتي الرسالة المنطقية إلى المناوئين لسياسة “الإنصاف والاعتدال” السعودية في المنطقة، خصوصاً من الطرف الإيراني والداعم الروسي، وهي تلتف بأشرطة من “حرير”، وتمر عبر “جسر” من الاهتمام بإيصال الرسالة الاقتصادية والإنسانية لكل من يستحقها، وذلك في إشارة إلى أهم الاتفاقيات الـ14 السابقة مع الصين في يناير، وهي مذكرة التفاهم بين الحكومتين، بشأن “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير”، و”مبادرة طريق الحرير البحري للقرن الـ21″، وكذلك الإعلان عن “جسر الملك سلمان”، في زيارة مصر في أبريل.
“شراسة” الاقتصاد الصيني.. وذكرى كلمة رئيسهم
لا شك أن الاقتصاد الصيني، يُعدّ أحد أكثر اقتصاديات العالم نمواً و”شراسة”، إذا صح الافتراض، لكنه يحتاج رغم كل صفات “الانقضاض” هذه إلى مراجعة حاسمة مع التوقيت الحالي للمنعطفات الحساسة للاقتصاد العالمي، لهذا يحتاج إلى فتح نوافذ جادة عبر شراكات موضوعية مع نماذج اقتصادية متصاعدة، كما في الحالة السعودية.
ولنا أن نتذكر، آثار ما فعلته زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى الصين، حينما كان ولياً للعهد في مارس 2014، حيث مثلت البداية المثمرة للشراكة بين البلدين، وأوصلت التبادل التجاري إلى ما يتجاوز الـ69 مليار دولار سنوياً.
ولنا أن نتذكر أيضاً، مقال الرئيس الصيني بصحيفة “الرياض”، يوم وصوله للرياض (الثلاثاء 19 يناير 2016)، حينما كتب: “تملك السعودية كنزاً نفطياً وغازاً وعراقة تاريخية، باعتبارها مهد الإسلام”، وتذكر وقفة المملكة مع الصين بتقديم 60 مليون دولار حين وقعت كارثة زلزال مقاطعة سيشوان، رغم مرور سنوات عديدة، مشيراً إلى أن هذا ما يجب أن يُفهم حين تقدم السعودية دعمها لمختلف دول العالم، كما أكد أنها تمثل شريكاً اقتصادياً قوياً منذ عامي 2013 و2014.
عودة “اقتصاد الحرير” المعاصر
يعرف التاريخ “طريق الحرير” القديم، حينما كان الصينيون يجوبون مياه المحيط الهندي، منذ العصور القديمة السابقة للميلاد، وكانت سفنهم تقوم برحلات طويلة فيما بين الموانئ الصينية وموانئ الهند الغربية، ومثل ذلك كان يفعل العرب، فقد كانت سفنهم تبحر من موانئ الخليج العربي وساحل اليمن إلى موانئ الهند الغربية وإلى ساحل جنوب الهند، حيث يلتقون هناك بالتجار الصينيين ويحصلون منهم ومن التجار الهنود على بضائع الصين والهند، ويبيعونهم بضائع الجزيرة العربية الثمينة.
الآن هناك فرصة للتحديث وفق متطلبات العصر والرؤى الاقتصادية الراهنة، مع منطق الشراكة “الجادة”، لأحياء “طريق الحرير”، وفق مذكرة التفاهم عبر “الحزام الاقتصادي”.
وبعد هذه الاتفاقية، انبثقت اتفاقيات ومذكرات تفاهم أخرى لها ثقلها في تدعيم الشراكة بين السعودية والصين، لعل من أهمها التعاون في “المجال الصناعي”، و”العلوم والتقنية”، و”الطاقة المتجددة” في زيارة يناير.
وسيستمر الحراك الاقتصادي بمنطق “الحرير” نفسه، من خلال الزيارة الراهنة لولي ولي العهد إلى الصين.