أبو سعد.. والحلقة المفقودة في نظامنا الصحي؟

الإثنين ١٣ أبريل ٢٠١٥ الساعة ٣:٤٠ مساءً
أبو سعد.. والحلقة المفقودة في نظامنا الصحي؟

أبو سعد ذو السبعة والخمسين عاماً مواطن متقاعد ميسور الحال، لا يعرف إن كان يعاني من أية مرض، تعرض بشكل مفاجئ لألم حاد في الصدر وضيق في التنفس نقل على أثره لطوارئ أحد المستشفيات الكبرى في مدينة الرياض، حيث اكتشف هناك اصابته بجلطة قلبية مع ارتفاع مزمن في الضغط الشرياني وداء السكري. لم يمر في ذهن أبي سعد ولا زوجته ولا أحد من أبنائه أنه يعاني من أي مرض فقد كان نشيطاً يقود سيارته بنفسه ويحضر بشكل يومي قهوة المغرب مع جيرانه ولا يدخن، إلا أنه لا يمارس الرياضة ويعشق الكبسة ويعاني من قليل من السمنة.!

خرج أبو سعد بعد أيام من بقاءه في العناية المركزة محملاً بالكثير من الأدوية وبتعليمات صارمة لممارسة النشاط البدني بشكل منتظم مع حمية قاسية ستجعله بعيداً عن محبوبته الكبسة أغلب أيام الأسبوع، علماً أن فاتورة علاجه التي تكفّل بها النظام الصحي قد جاوزت المائة ألف ريال..!!

أن أبا سعد ليس إلا نموذج لنظامنا الصحي الحالي الذي يهمل الأصحاء حتى يكونوا مرضى، ثم يهملهم مجدداً حتى تظهر عليهم الأعراض بعد أن يكون المرض الصامت قد عاث فساداً في أجسادهم، ثم يتدخل النظام الصحي – متأخراً – ليبدأ في صرف الأدوية المكلفة وفي بناء مراكز عناية مركزة جديدة ووحدات غسيل كلى أخرى لتستوعب الأعداد المتزايدة من المرضى، ويبدأ في التعليمات الصارمة المتأخرة لتغيير نمط الحياة، والتي تكون عادةً غير مجدية، وكما قال الشاعر:
قد ينفع الأدبُ الأحداثُ في صغرٍ
وليس ينفع بعد الشيبة الأدبُ
إن الغصونَ إذا قوَّمتها اعتدلت
وليست تلين إذا قوَّمتها الخُشُبُ

فنحن أمام قنابل موقوتة أسماءها السكري والضغط والسمنة تنتظر التعامل الاستباقي الوقائي والتوعوي باستخدام أدوات حديثة، فطبقاً لنتائج المسح الوطني للمعلومات الصحية في المملكة العربية السعودية والذي قامت به وزارة الصحة بالتعاون مع معهد القياسات الصحية والتقييم بجامعة واشنطن الأمريكية والتي أعلنت عنها الوزارة في 8/5/1435هـ فإن معدل انتشار داء السكري بلغ (13,4%) ونسبة انتشار ما قبل الإصابة بداء السكري عند الذكور بلغ (17%) أي ما يعادل (1,29) مليون مصاب، وعند الإناث (15,5%) أي ما يعادل (1,1) مليون مصابة. ومعدل انتشار السمنة وفقًا لمؤشر كتلة الجسم 30 كغ/م2 بلغت في هذا المسح 28,7%، ومعدل انتشار ارتفاع ضغط الدم بلغ (15,1%) منها (17,7%) عند الذكور، بينما بلغ عند الإناث (12,5%)، كما بيّن المسح أن نسبة انتشار ما قبل ارتفاع ضغط الدم عند الذكور بلغت (46,5%) أي ما يعادل (3,04) مليون، وبلغت النسبة عند الإناث (34,3%) ما يعادل (2,18) مليون.وفيما يتعلق بالنشاط البدني، وجد المسح أن نحو نصف الإناث السعوديات (50%) غير ممارسات لأي نشاط بدني على الإطلاق، أما عند الذكور فبلغت نسبة الرجال غير الممارسين لأي نشاط بدني على الإطلاق (33%) وعلى الرغم من الزيادة في الإصابة بالأمراض المزمنة، إلا أن المسح بين أن 75% من أفراد المجتمع السعودي لم يقوموا بفحص طبي روتيني مطلقًا..!!

ومع هذه الإحصائيات المروعة فنحن بحاجة إلى نظام ما يسمى “تعزيز الصحة”، وهو مصطلح يجمع تحته كل الخدمات والأنظمة والنشاطات التي تهدف إلى الوقاية من الأمراض واكتشافها في وقت مبكر وتقليل تداعياتها وتكاليفها الباهظة.

فمن برامج تعزيز الصحة: ايجاد نظام صارم و”الزامي” للفحص الدوري والاكتشاف المبكر للأمراض المزمنة التي تفتك بالمجتمع وعلى رأسها السكري والضغط والدهون والسمنة والاكتئاب وسرطانا الثدي والقولون وغيرها، فالاكتشاف المبكر يقلل من المضاعفات المحتملة ومن تكلفة العلاج، ويزيد من العمر المتوقع للمريض ومن جودة حياته.

ومنها أيضاً: التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى لتوفير بيئة صحية، فوزارتا الاعلام والتعليم يكثفان التوعية الصحية لزيادة الوعي الصحي لدى المواطن باستخدام وسائل الاعلام بشتى أنواعها والمناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي، والبلديات توفر أماكن للمشي في كل حي وتُوجد نظام لمراقبة السعرات الحرارية في المطاعم، ورعاية الشباب توفر أندية صحية بأسعار رمزية، ووزارة الزراعة تقوم بمقاومة التصحر لتقليل الغبار الذي يسبب نوبات الربو الشعبي، ووزارة الداخلية تعمل على أنظمة السلامة المرورية لتقليل نسب الحوادث ومن ثم تقليل نسب الاصابات ومضاعفاتها، ووزارة التجارة تقوم بالضغط على موردي التبغ ومحاصرة أماكن بيعه لتقليل عدد المدخنين، والجمارك تقوم بمراقبة دخول الأغذية المعلبة وفحصها من المواد المسرطنة.. وهكذا.

ومنها: تشجيع العمل المجتمعي، ونعني به إشراك المجتمع بشكل ايجابي في تعزيز الصحة من خلال فسح المجال لمجموعات التطوع والمؤسسات الخيرية التي تلبي حاجات المجتمع الصحية.

ومنها: اشراك القطاع الخاص في الحراك الصحي، بفرض خدمات وقوانين تعزيز الصحة على الشركات والمصانع الكبرى إما داخلياً (لموظفيها داخل بيئة العمل) أو خارجياً (للمجتمع المحيط بها).

فبدون هذه البرامج التعزيزية سيظل نظامنا الصحي عقيماً يعتمد على ردة الفعل وليس استباق الفعل، وقد انتبه الغرب إلى هذا الأمر ففي كندا على سبيل المثال يوجد وزارة للصحة ووزارة أخرى لتعزيز الصحة.

وفي الختام لو عدنا إلى حالة أبي سعد بعد اصلاح نظامنا الصحي بما يحقق أهداف تعزيز الصحة فسنقول:

أبو سعد ذو السبعة والخمسين عاماً مواطن متقاعد ميسور الحال، تلقى توعية صحية مكثفة في تعليمه العام، وتوفر له الدولة أماكن لممارسة رياضة المشي، كما تعوّد على الأكل الصحي لأن الشركة التي كان يعمل بها توفر له وجبات ذات سعرات حرارية قليلة، ولذلك يمارس أبو سعد نمطاً معيشياً صحياً، وهو – كذلك – منتظم في فحوصاته الدورية الالزامية، والتي اكتشف في أحدها اصابته بالسكري والضغط، وبناء عليه تم البدء بالعلاج في وقت مبكر مع الحمية والرياضة المنتظمة، ولذلك لم تحدث لأبي سعد أي مضاعفات حتى الآن ولله الحمد، وبقي سريره في العناية المركزة فارغاً..!!

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

إقرأ المزيد